إسدال السّتار على 85 عاماً من خدمات ال بي بي سي عربي
مع انطلاقة خدمات ال بي بي سي الإذاعيّة العربية لأوّل مرّة عام 1938 أصبحت كلّ من "هنا لندن" و"دقّات بيغ بين" التّوقيت الّذي يضبط به المستمعون استعدادهم للانطلاق في جولة إخباريّة عالميّة شاملة بلغة فصيحة سليمة وأداء إذاعي يحتفي بأساسيّات الرّاديو والبثّ الإذاعي.
وفي الوقت الّذي يحتفي فيه العالم بالرّاديو في اليوم العالمي للإذاعة الّذي يصادف 13 شباط/فبراير من كلّ عام، أصبح إسدال السّتار على واحدة من أعرق الخدمات الإذاعية في العالم الشّغل الشّاغل لوسائل التّواصل الاجتماعي فكيف بدت رحلة بي بي سي عربي على مدار العقود الماضية؟

خدمات ال بي بي سي عربي: هنا لندن!
في منتصف الثّلاثينات تعاونت بي بي سي مع الفيزيائي، غولييلمو ماركوني، في تأسيس الإذاعة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1936 و1948 والإذاعة الوطنية المصرية منذ عام 1934 حتّى الآن.
شكّلت هاتان التّجربتان عنصر إلهام لخدمات ال بي بي سي عربي الّتي انطلقت عام 1938 بنشرة إخباريّة مدتّها ستّون دقيقة تلتها رسائل من قادة مناطق الانتداب العربية، ثم موادّ متنوعة.
كانت هذه النّشرة بداية رحلة ممتدّة لبي بي سي مع مستمعيها العرب الّذين ارتبطوا بالإذاعة وأصبحت مصدرهم الرّئيس للأخبار فضلاً عن البرامج الثّقافية والفنّية والرّياضية المتخصّصة.
مع نهاية الحرب العالميّة الثّانية ارتفعت عدد نشرات الأخبار إلى أربع وكان البثّ يستهلّ بآيات من القرآن الكريم لعقود طويلة.
ويعدّ أحمد كمال سرور أوّل صوت ارتبط به المستمعون على بي بي سي قبل أن ينضمّ له كلّ من حسن الكرمي صاحب برنامج "قول على قول" وعيسى الصباغ الذي اشتهر بقراءته الرّصينة للتحليلات السياسية.
عقب ذلك توالت الأسماء الّلامعة العربية لتكوّن المحطّة الّتي أصبحت تبثّ أيضاً الموادّ الثّقافية حيث كان للّغة العربية ورموزها من كبار الكتّاب العرب نصيب وافر في برامج الإذاعة بينهم الأديب طه حسين.
ظلّت الإذاعة بعنوانها المعروف "هنا لندن" بعد دقات بيغ بن ملتقى للعديد والعديد من الشخصيات العربية المؤثرة في الفن والثقافة والرياضة والموسيقى والغناء وغير ذلك، ومن بين الأسماء التي تحدثت عبر أثير بي بي سي في تلك الفترة أم كلثوم خلال زيارة للندن في عام 1949 والمغنية اللبنانية فيروز في 1961.
ومن بين هذه الأسماء التاريخية كذلك فيصل الثاني ملك العراق الذي سجل في أبريل 1951 لقاء بثته بي بي سي بمناسبة عيد ميلاده السادس عشر حيث كان الملك طالباً في مدرسة هارو ببريطانيا آنذاك، والأمير فهد بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودي آنذاك.
وفي 2003، افتتحت الإذاعة مكتباً لها في القاهرة تزامناً مع بدء الحرب في العراق ليكون أوّل مكتب للخدمة العربية خارج مقرّها الرّئيس في لندن.

مصدر الصورة: BBC
وداعاً هنا لندن!
منذ إعلان هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في أيلول/سبتمبر العام الماضي عن وقف البث الإذاعي بعدّة لغات من أبرزها الّلغة العربية في إطار المساعي لتوفير 28.5 مليون جنيه استرليني من المدخّرات لخدماتها الدّولية، شعر المستمعون الّذين شكّل صوت بي بي سي جزءاً لا يتجّزأ من يومهم لعقود بغصّة لغياب الأثير الأحبّ على قلبهم.
وبالإضافة إلى خدمات ال بي بي سي عربي تقرّر إيقاف البثّ الإذاعي ب 10 لغات أيضاً من بينها الفارسيّة والصّينية والبنغالية، إلى جانب إلغاء مئات الوظائف عبر الخدمة العالمية وصلت إلى 382 وظيفة.
وتسعى الهيئة البريطانية إلى إنشاء استراتيجيّات للخدمة العالميّة تقوم على تطوير منظومة حديثة تركّز على الخدمات الرّقمية بصورة رئيسيّة.
أشارت عقارب بيغ بن يوم الجمعة 27 كانون الثّاني/يناير إلى السّاعة الواحدة ظهراً لكنّه لم يكن لبدء نشرة أخبار هذه المرّة بل لإسدال السّتار على قصّة أصوات إذاعية شكّلت جزءاً من وعينا وأيّامنا لعقود.
شكّلت هذه اللّحظة حدثاً تاريخيّاً انعكس على مواقع التّواصل الاجتماعي في هيئة نوستالجيا وتعبير عن الحزن لغياب واحدة من أبرز الإذاعات الّتي كانت مصدرنا الرّئيس للأخبار.
وكانت هذه الكلمات آخر ما بثّته إذاعة بي بي سي في توديع لمستمعيها: "دعونا نجعل هذه الّلحظة لحظة احتفاء وتقدير واعتزاز، احتفاء بما قدمته إذاعتنا من عطاء وإرث نفخر به جميعاً، وأيضاً بمن أسهموا في هذه المسيرة الحافلة والباقية مهما مرّ الزمن.
نتذكّر بكلّ الاعتزاز والتقدير من رحلوا عن عالمنا، وندعو بالصحة والعافية لرفاق المشوار، ثمّ لكم أنتم رصيدَنا الأكبر والأعزّ يا مستمعينا الأعزّاء.. تحّية لوفائكم ومحبّتكم وإخلاصكم، كلّ الشكر والتقدير والامتنان على مرّ هذه المسيرة".
ونوّهت الإذاعة في بيانها الختامي الذي ألقاه الإعلامي المصري محمود المسلمي، رفقة زميله المغربي نور الدين زورقي "أنّ ما تمتلكه الإذاعة من كنوز في الأرشيف على مدى 85 عاماً، سيكون موضع اهتمام منها لإتاحة الفرصة للجمهور من أجل الاستماع والاستمتاع به".
وشارك المستمعون عبر مواقع التّواصل الاجتماعي صوراً قديمة من البثّ الإذاعي لبي بي سي مع استخدام هاشتاغ #هنا_لندن الّذي تصدّر مواقع التّواصل الاجتماعي.
غابت شمس بي بي سي العربيّة عن الرّاديو لكنّها ستظهر في المنّصات الرّقمية بشكل مغاير ويتواكب مع المستجدّات الحديثة فهل نشهد بداية النّهاية للراديو؟