رأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة

هل هو أكثر إنسانيّة؟

في أعماق التاريخ الإنساني، تمتزج الحروب بين قلق ومشاعر مختلطة من الألم، فهي ليست مجرّد تصادمٍ للقوى والأفكار، بل هي مآسٍ إنسانية تمتدّ أطرافها إلى أرواح الآلاف، وتترك خلفها آثاراً عميقة وكارثيّة تمحو براءة الطفولة وتحطّم أحلام الشّباب. إنها باختصار ملاحم حزينة ترويها الشّواهد والذاكرة، بأكثر ألوان الحبر عمقاً!

الحرب الحالية التي تعنينا جميعاً، وكما نرى كلّ يوم، من أسوأ ما مرّ على البشرية، كشفت قروناً من الزّيف بادّعاء الإنسانية، والعدالة وحقوق الطفل والمرأة والإنسان، حرب غزة، كشفت بالفعل ولا تزال أطرافاً جديدة من منعدمي الضّمير، ومن كارهي السّلام، وكارهي الحياة.

هذا الوصف كان لبني البشر من بني جلدتنا من المتحيّزين، وأصحاب المواقف السّلبيّة، ولكن، ماذا عن “شركائنا العاقلين الجدد” إن جاز التعبير، وأقصد هنا مواقع الذّكاء الاصطناعي، فهل لها موقف محدد من الحرب؟ أمّ أنّها تتبع مؤسسيها بالتحيز للطرف “الأسوأ”؟

تجربة مطوّلة.. ومختصر مفيد

في تجربة أجراها فريق موقع الجزيرة نت، خاطب خلالها عدداً من مواقع الّذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، وطلب من هذه المواقع أن “تولّد” صوراً ومعايدات مرئيّة لرمضان في غزّة في ظلّ الحرب، وكان من ضمن التّجربة سؤال مباشر حول رأيهم في هذه الحرب. وهنا عمل فريق التحرير لدينا على استخلاص الأحكام النهائية، بناءً على أجوبة هذه المواقع، والتي كانت كالتالي:

مقدّمة لرأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة

كان من الضروري تبني نهجٍ مختلف يتناسب مع قدرات كل تطبيق لتوليد الصور لمعرفة رأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة. وهنا، قام الفريق بتوسيع نطاق التطبيقات التي تم اختبارها وشملت “جيميني” من غوغل و”كوبايلوت” من مايكروسوفت، وشات جي بي تي من أوبن إيه آي. يُعتبر تطبيق جيميني الأكثر تطوّراً وفقاً لشركة التّكنولوجيا العملاقة. أما “كوبايلوت” من مايكروسوفت، فهو أيضاً برنامج ذكاء اصطناعي لتوليد النصوص، ويحتوي على برنامج داخلي يُعرف باسم “ديزاينر” لتوليد الصور. وبالطبع، “شات جي بي تي” وبرنامج “دال-إيه” هما البرامج الشهيرة من “أوبن إيه آي”. الأول لتوليد النصوص، والثاني لتوليد الصور.

هل يتمتع الذكاء الاصطناعي بالوعي بوجود الصراع في غزة؟

في البداية، كان من الضروري اختبار قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم الوضع الذي يواجهه سكان غزة خلال شهر رمضان. لذا، قام الفريق بطرح هذا السؤال على أنظمة الذّكاء الاصطناعي:

هل تمتلك معرفة بالأحداث الجارية في غزة حالياً؟

وكانت استجابات أنظمة الذكاء الاصطناعي كالتالي:

رأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة – شات جي بي تي

CHAT GPT

  • تمكن برنامج “شات جي بي تي” من تقديم استجابة مقنعة بشأن الوضع الاقتصادي السيّء في غزّة، وذلك استناداً إلى أحدث المعلومات المتاحة حتى أبريل/نيسان 2023 وفقاً لآخر تحديث للموقع. ومع ذلك، لم يكن تحديث هذه البرمجيات يشمل أحداث “طوفان الأقصى”. لذا، قام الفريق بمساعدته للحصول على المزيد من المعلومات حول هذه الأحداث. وقام فريق “الجزيرة” بتحميل صور تظهر الدّمار الذي لحق بغزة، ثم طلب من البرنامج أن يحلل هذه الصور. وقد قدم استجابة وصفت المأساة التي يعيشها سكان غزة بشكل دقيق.

ثم قام الفريق بتوجيه الطّلب لبرنامج “شات جي بي تي” لكتابة “تهنئة رمضانية” في ظل هذه الظّروف، وجاءت استجابته على النّحو التالي: “نظرًا لخطورة وحساسية الموقف الموضح في الصور، فمن المهم التعامل مع إنشاء التحية بإحساس عميق بالاحترام والتعاطف. إليكم رسالة تهدف إلى تكريم روح شهر رمضان مع الاعتراف أيضاً بالتحديات التي يواجهها الأشخاص في الصور.” (بمعنى أنّه يتوجّب عليه إنشاء “التهنئة” بحساسية ودقّة، نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها الناس في القطاع، ودمجها بما يمثله شهر رمضان)

رأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة – جيميني

Gemini

  • تعرّض نموذج جيميني من غوغل لاتّهامات متكرّرة بالتحيّز، وقد فشل في تقديم إجابات واضحة ومفيدة للمستخدمين في أكثر من مناسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر “بالكيان”. والرّد الذي قدّمه حول ما يجري في غزة يُظهر تقصيراً في تقديم المعلومات الملائمة. في هذا السياق، قدم جيميني إجابة قصيرة توحي بضرورة استخدام محرك بحث غوغل للحصول على معلومات محدّثة. هذا الرّد قد يعكس نقصاً في قدرة جيميني على التعامل مع المواضيع الحسّاسة وتقديم الدّعم الّلازم للمستخدمين في مثل هذه الحالات. وللتأكّد من عدم تحيّزه، قام الفريق بسؤاله حول أحداث “أوكرانيا وروسيا”، ولم يتوانى الموقع عن تقديم سلسلة مطوّلة من الأحداث والأخبار والمصادر، دون الطّلب بأن يقوم الفريق بالعودة إلى محرّك البحث جوجل.

رأي الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة – كوبايلوت

COPILOT

دون إطالة، قام الموقع بالاستعانة بمقال لـ”رويترز”، ولخّص أحداث غزة بشكل مناسب، وشرح الوضع الإنساني هناك دون تحيّز، وهو الأمر الذي انعكس سلباً مجدّداً على جيميني، الذي كان حقاً الأسوأ “ضميراً، والأكثر تحيّزاً!

ختاماً، يبدو أنّ عالمنا الذي يتغيّر تقنيّاً يوماً بعد يوم، لن يتغيّر كثيراً من ناحية العنصريّة والتحيّز، الأمر الذي يدقّ حقّاً ناقوس الخطر لمستقبل لا يبدو أنّه سيكون أكثر اعتدالاً وإنسانية. غيّرت حرب غزّة فينا الكثير، وسمحت لنا بأن نفتح عيوننا على واقع نتمنّى لو أنّنا لم نراه بهذا القبح، لعالم لا يعرف مبدأً ولا لغة، سوى “المصلحة”، ومنطق”العالم المادي البحت”!

بطاقات أمنية الالكترونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *