خطاب ملكيّ مزلزل

جلالة الملكة رانيا العبدالله تسلّط الضوء على “ظلم الفلسطينيين” الواقعي والافتراضي!

حالة إنسانيّة عميقة، تلك التي عاشها حضور قمة الويب، ومن بعدهم الملايين ممّن استمعوا للخطاب الملكيّ الذي ألقته جلالة الملكة رانيا العبدالله، لخّصت خلاله الحالة الإنسانيّة التي يعيشها أهلنا في غزّة جرّاء العدوان الصهيوني المستمر منذ أشهر، والقضية العادلة للشعب الفلسطيني عموماً والمستمرّة منذ عقود.

ومّما جاء في خطاب الملكة رانيا العبدالله “إنّ الرواية الفلسطينية للقضية سُلبت ودُفعت إلى الهامش على مرّ عقود”، و”تمّ اختزال الشعب الفلسطيني إلى أعداء في رواية لطرف آخر، بحيث يمكن استباحته دون عواقب”.

وهنا أشارت جلالتها إلى القواعد التي يتّبعها القائمون على الشركات الكبرى المشغّلة لوسائل التواصل الاجتماعي، جنباً إلى جنب مع وسائل إعلام عالميّة، أخذت على عاتقها إضعاف الوصول، وبالتالي إضعاف الرسالة ككل لطرفٍ دون آخر، وعلى النقيض، دعم الطّرف الآخر دون أيّة اعتبارات للعدالة إنسانياً أو حتّى منطقيّاً!

وجاء في خطاب الملكة رانيا، أيضاً: “أهل غزة لم يكونوا يوماً أكثر ارتباطاً بالعالم من أي وقت مضى، لكنهم لم يكونوا أكثر عزلة في الوقت ذاته.” و”يحلم الفلسطينيون بذاك اليوم الذي سيخبرون فيه قصتهم للعالم، واليوم أصبح صوتهم مسموعاً بوضوح، لكن بأي كلفة؟”.

هنا عادت جلالتها لتؤكّد على أهمّية الدّور الذي يلعبه كلّ “موثّق” للأحداث من داخل القطاع وخارجه، بأبسط وسائل ممكنة، كالهواتف الذكيّة، ووسائل التواصل الاجتماعي، على الرّغم من القيود، وفي محاولات مستمرّة لإظهار الصورة الحقيقيّة للعالم.

وأكدت جلالة الملكة أنّ “التضامن مع الفلسطينيين يجب ألّا يكون أمراً عابراً، فالملايين ممن رفعوا أصواتهم يجب ألا يسمحوا بتراجع قصّة فلسطين إلى الهامش مرة أخرى”.

ومن أهمّ النقاط الأخرى التي اشتمل عليها خطاب الملكة رانيا أنّ القضية الفلسطينيّة لم تبدأ منذ السابع من أكتوبر، “فالقصة الأكبر امتدّت لسنوات أطول من أعمار معظمنا، خمسة وسبعون عاماً. لم ينعم الفلسطينيّون خلالها يوماً بالسلام”، وفنّدت الرواية الأخرى بقولها أنّ “العنف يأتي على صورة حصار مطبق يمتد لأكثر من 17 عاماً، أو عقود من عمليات القتل اليومية. يأتي على شكل نقاط تفتيش، أو جدار عازل، أو عنف من مستوطنين مسلّحين، أو اعتقالات بلا سبب وإهانات لا تنتهي تحت وقع احتلال عسكري”.

وتأكيداً على أهمّية الدور الإعلامي لوسائل التّواصل في أيّامنا هذه، أشارت جلالتها إلى التحولات التي أحدثها العدوان المستمر على غزة: وقالت: “شاهدنا كيف انقلبت مساحاتنا على وسائط التواصل الاجتماعي وتحوّلت الصّور الملوّنة التي كانت تعج بها حساباتنا إلى مشاهد أحادية اللون، أكفان بيضاء، أنقاض رمادية وشاشات بيضاء وسوداء تتوسطها تحذيرات من قسوة المحتوى”. وأضافت: “بعض المبادئ الأساسيّة والأسس العالميّة لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ والقيم العالمية للمساواة والعدالة، تُعرّف من جديد لتبرّر مستوىً من العنف لا يمكن تبريره إطلاقاً”.

وشدّدت جلالتها على أنّ “الحرب في غزة، والتي تبثّ للعالم مباشرة، أظهرت بشكل واضح الاختلال في موازين القوى” وأنّ “الشعب الفلسطيني يريد ما يعتبره أغلبنا حقوقاً بديهية، حقّهم في تقرير المصير، والقدرة على حكم أنفسهم بكرامة وأمان، والتحرّر من الاحتلال، ولا يمكن تحقيق أيّ من ذلك دون دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل”.

خطاب الملكة رانيا العبدالله

ومن أهم الإشارات الأخرى التي سلّط خطاب الملكة رانيا الضّوء عليها قولها: “الضغط الشعبي يمكن له أن يعيد رسم المستقبل”، مشيرة إلى أنّ قوة الجماهير والتضامن العالمي يمكن أن يُحدث تغييراً حقيقياً في الوضع الحالي. وفي هذا السياق، دعت إلى “إنهاء العرقلة المتعمّدة لدخول المساعدات إلى قطاع غزة”، مؤكدة على أهمية تحرك المجتمع الدولي لمواجهة القمع والظلم.

وبينما تشهد القضيّة الفلسطينية تحوّلات وتطوّرات متسارعة، فإنّ صوت جلالة الملكة رانيا كان صوتاً مزلزلاً، يدعو إلى التّفكير الجاد في الحلول السّلمية والعادلة، وإعادة النّظر بالقواعد التي يسير بها العالم عند رواية قصّة عادلة، وأخرى ظالمة، وكيف يُمكن لقيود قد تبدو بسيطة في نظر البعض أن تؤثر على مصير شعب بأسره، لا يزال يرضخ لعقود تحت وطأة الظلم في معيشته، وفي إيصال صوته وروايته!

بهذه الكلمات البليغة، والذّكاء الملكيّ المعهود من جلالتها، أطلقت الملكة رانيا شرارة التغيير والأمل، حيث يرى محلّلون أنّ صوتها يرفع قضية فلسطين بكل قوة، بمقابل دعم لامحدود لصوت الآخر، وكلّ داعم له من شركات كنّا نظنّها لوهلة أنّها تجارية بحتة، ولا تكنّ لأيّ طرفٍ “حباً” أو “بغضاً” بحسب مزاج مالكها، أو حتى ميوله العقديّة أو السياسية!

ختاماً، نرى أنّ دور المرأة القويّة والمؤثرة، الإنسانة المفكّرة الشجاعة، التي تقف أمام العالم بهذا العنفوان لتعيد قضيّة إلى مسارها الإعلامي الصحيح، وأن تجابه هذا الكم من التعتيم والتّضليل، حقاً يصدر عن ملكة، نفخر بكونها “جلالة الملكة رانيا العبدالله” ونفخر بانتمائنا وولائنا لبلدنا العزيز بمواقفه وشعبه، وتحت ظلّ قيادته الهاشميّة الحكيمة والشّجاعة، ممثلةً بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه.

ومع كلّ وصفنا، وتحليلنا المضاف إلى عشرات التحليلات للخطاب الملكي لجلالة الملكة رانيا العبدالله، صدّقني عزيزي القارىء، إن لم تستمع إليه كاملاً، فقد فاتك الكثير. ويمكنك الاستماع إليه من هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *