الشركات الناشئة وريادة الأعمال: حجر الزّاوية لاقتصادات متماسكة ومستدامة
برزت الشّركات الناشئة وريادة الأعمال مع التّغييرات الجذرية التي شهدتها الاقتصادات العالمية والتحدّيات التي واجهتها على مدار الأعوام والأزمات المتعدّدة بوصفها حلّاّ فاعلاً في تحريك النموّ الاقتصادي، وخلق الوظائف، وتقليل الاعتماد على الوظائف الحكوميّة.
ولا تنبع أهميّة ريادة الأعمال من كونها محرّكاً رئيسيّاً للاقتصاد فقط، بل أيضاً في كونها حلّاً مجتمعيّاً يسهم من خلال الأفكار الخلّاقة لرياديي الأعمال في توظيف الموارد المتاحة لسدّ الثّغرات وتلبية الاحتياجات المختلفة.
يقوم عالم ريادة الأعمال والشّركات الناشئة - المفهوم الذي ظهر عام 1950- بصورة أساسيّة على الشّباب ما يعني أنه ثمّة خطوات يتعيّن اتّخاذها لتعزيز هذا المفهوم ومشاركته في الاقتصادات الوطنيّة. بالنّظر إلى كلّ ذلك، كيف يبدو مشهد ريادة الأعمال في الأردن؟ وما هي إمكانيّات نموّ هذا القطاع؟ وأي دور يمكن للجهات المختلفة أن تقوم به لدعم الجهود في هذا المجال؟
الأردن بيئة خصبة لريادة الأعمال يرويها الشّباب
في ظلّ ثروة بشريّة يمتلكها الأردن تُقدّر ب 2.72 مليون شابّ وشابّة تتراوح أعمارهم بين 15- 29 عاماً، يشكّلون ما نسبته 28.5% من مجموع السكان يبدو التّغيير أقرب من أيّ وقت مضى من خلال هذه الطّاقات التي تحمل مشعل المستقبل.
وبحسب دراسة استقصائية للبنك الدّولي شملت 230 من روّاد الأعمال الأردنيين، فإن القائمين على الشّركات الناشئة يتمتعون بقسط وافر من التعليم ولديهم خبرة متينة في إدارة الأعمال، كما تظهر الدّراسة أيضاً أن 94% من المؤسسين الرئيسيين للشركات الأردنية الناشئة يحملون درجة البكالوريوس أو ما فوقها، و62% لديهم خبرة عشر سنوات أو أكثر، و20% لديهم خبرة 6-9 سنوات.
ويخطو الأردن بثبات نحو حجز موقع متقدّم في مشهد الرّيادة العالمي، حيث تقدّم على مؤشر ريادة الأعمال العالميّ والذي يصدره سنوياً "المعهد العالميّ للتنميّة وريادة الأعمال"، من المرتبة 73 في عام 2014 إلى مرتبة 49 في عام 2018.
هؤلاء الشباب والشابات يقدّمون للأردن كل يوم أفكاراً لمشاريع ممّيزة ومبتكرة لذلك احتلّوا مراتب مميّزة في الفعاليّات العالميّة. على سبيل المثال في عام 2019، أدرج المنتدى الاقتصادي العالمي 27 شركة أردنية ناشئة ضمن أفضل 100 شركة ناشئة في المنطقة.
ومع ارتباط ريادة الأعمال والتكنولوجيا بشكل وثيق، تبوّأ روّاد أعمال التكنولوجيا في الأردن الصدارة في مشهد التكنولوجيا في المنطقة آخر 10 سنوات، حيث أصبحت العديد من المشاريع الرياديّة المميزة هدفاً للمستثمرين مثل: مكتوب، وسوق دوت كوم، وطقس العرب، وموضوع وغيرها الكثير.
كما تقدّم، تتمثلّ الرؤية العالميّة في تعزيز مشاركة المشاريع الرياديّة والشركات النّاشئة في تحريك نموّ الاقتصادات المحليّة. ومع الإحصائيّات التي تشير إلى أن هذه الشّركات تشكلّ أكثر من 95% من إجمالي عدد الشركات في الأردن، كما تساهم بأكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوّفر حوالي 60% من فرص العمل تبدو هذه الرّؤية قابلة للتحقيق بشكل كبير في الأردن.
المشاريع الرياديّة: أفكار مبتكرة.. دعم الاقتصاد
تنوّع القطاعات التي ينخرط بها رياديّو الأعمال يعني نموّا متزايداً وحلولاً أكثر لمشاكل وتحدّيات تواجه المجتمعات والاقتصادات.
تتمثلّ القطاعات التي يعمل بها رياديّو الأعمال وأصحاب الشّركات الناشئة في الأردن في التّجارة الإلكترونيّة، والشّحن والخدمات اللّوجستية، والسّياحة والسّفر، وتكنولوجيا المعلومات، وخدمات الرّعاية الصّحية، والتّرفيه، والطّاقة، والألعاب، والتّجزئة، وغيرها.
هذا الإسهام المجتمعي إذا ما ترافق مع الإسهام الاقتصادي يعني أن المستقبل بالفعل للشّركات النّائشة وريادة الأعمال. فقد أعلنت دراسة محليّة حديثة عن إسهام الشّركات النّاشئة في توفير 2618 وظيفة مباشرة في الأردن.
وتأتي هذه الّنتائج في وقت يؤكد فيه متخصّصون في القطاع بأن هذه الشركات خلقت أيضاً آلاف الوظائف غير المباشرة التي لم يتسنَّ للدّراسة رصدها.
ومع نتائج الدّراسة التي تشير إلى أنّ 35 % من الشركات الناشئة تنتمي وتستفيد من حاضنات أعمال أو مسرّعات أعمال، وحوالي 65 % لا تنتمي إلى أيّ حاضنات أعمال، تطفو على السّطح الأسئلة المتعلّقة بالدّور الذي تلعبه حاضنات الأعمال في تمكين ريادييّ الأعمال من تنفيذ مشاريعهم وتزويدهم بفرص الانفتاح على العالم.
حاضنة أمنية لريادة الأعمال The Tank: موجة جديدة.. دعم متواصل
ظهر مفهوم حاضنات الأعمال إلى النّور عام 1959 في الولايات المتحدّة ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الحاضنات بمثابة شركاء حيث تمكنّ أصحاب المشاريع النّاشئة وريادييّ الأعمال من تنفيذ مشاريعهم من خلال تزويدهم بالدّعم الفنّي والتّقني والمالي والإرشادي.
ويشكلّ الأردن مناخاً مثاليّاً لنموّ الشركات النّاشئة خصوصاً مع وجود أكثر من 150 برنامجاً ومؤسسة بما فيها حاضنات الأعمال تُعنى بريادييّ الأعمال في البلاد.
ومع اندلاع جائحة كوفيد-19 ازداد التوّجه نحو تأسيس الشّركات الناشئة وخصوصاً التّقنية منها وتعيّن على حاضنات الأعمال أن تواكب هذه التّغييرات لتقدّم لريادييّ الأعمال دعماً عن بعد. على سبيل المثال قدّمت حاضنة أمنية لريادة الأعمال The Tank من أمنية الدّعم ل 29 شركة خلال عام 2020. وتمثل هذا الدّعم في الخدمات الإشرافية لأصحاب الأعمال الناشئة وإتاحة الفرصة لهم لحضور ورشات عمل حول مختلف المواضيع ذات العلاقة بمجال عملهم، بالإضافة إلى التشبيك وحضور الفعاليات والمؤتمرات العالمية ذات الصّلة ما يمكنّهم من توسيع آفاقهم وتطوير شراكاتهم.
هذا الدّعم أتى أُكلَه من خلال حصول عدد من الشّركات والمشاريع الناشئة على جوائز ومراكز متقدّمة في الفعاليّات العالميّة. على سبيل المثال، عقدت شركة IVVEST شراكة مع مسرّع الأعمال Relatively Fund، وحصلت على المركز الثاني في مسابقة الملتقى الوطني الثاني للرّياديين الشباب الذي نظمته وزارة الشباب.
كما حازت شركة Fitely الناشئة على المركز الأول، في مسابقة الملتقى الوطني الثاني للرّياديين الشباب، وتم قبولها في برنامج Oasis 500 الشركة الرائدة في مجال الاستثمار في المرحلة الأولى لتمويل رأس المال الرسمي في الشركات الناشئة.
كما فازت شركة "مارثا" للتعليم بالمركز الأول في جائزة الملكة رانيا للريادة، وتم الإشارة إلى المشروع في مجلة فاست كومباني Fast Company Magazine الأمريكية المتخصّصة بالتكنولوجيا والأعمال والتصميم، ضمن أفضل المشاريع التي أحدثت تغييراً في العالم.
هذه الإنجازات ما هي إلا خطوة على طريق طويل لتمكين ريادة الأعمال والشّركات الناشئة لتكون مكوّناً حيويّاً من مكوّنات الاقتصاد، لذلك سيجد أصحاب الأفكار الإبداعيّة نفسهم على موعد مع تحقيق أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع تخدم مجتمعاتهم من خلال الانضمام لحاضنة أمنية لريادة الأعمال The Tank التي أعلنت عن فتح باب التقدّم للالتحاق بها، لأنّ المستقبل يبدأ الآن.