ما هي ظاهرة هجرة الطّيور؟
آية مصطفى محمد حداد - تعدّ هجرة الطّيور من أكثر الظّواهر الطّبيعية إثارة، وأكثرها استعصاء على فهم الإنسان، إذ إنّ الطيور ليست قوّية بصورة كبيرة من النّاحية الجسديّة، ومع ذلك تهاجر أنواع كثيرة منها لمسافات طويلة محلّقة بعيداً لعدّة ساعات، أو حتّى أيّام دون توقّف.
من الأمثلة على ذلك، طير الشّادي (الهازج) الأوروبي الأبيض النحر، وهو واحد من طيور عديدة تتكاثر في أوروبا وتقضي فصل الشّتاء في إفريقيا أو آسيا، حيث يسافر هذا الطّائر مسافة 4000 كم، دون توقّف إلى موطنه الشّتوي في أمريكا الجنوبية.
وتحظى بعض الطّيور بأهمّية كبيرة وأولويّة فيما يتعلّق بالسّباقات، في هذا الإطار فإنّ الطّائر الذي له أولويّة السّبق في الهجرة مسافات طويلة، هو طائر الخطّاف القطبي الّذي يطير حوالي 18000 كم، من مناطق تكاثره في القطب الشّمالي إلى موطنه الشّتوي في القطب الجنوبي، ويعود ثانية للقطب الشّمالي بعد مُضيّ بضعة أشهر، فهو يقطع حوالي 36000 كم، في أقلّ من سنة.
وتهاجر العديد من الطيور قاطعة مسافات كبيرة، وتعود في كلّ سنة من الوقت نفسه.
لماذا تهاجر الطّيور؟
تدفع عدّة أسباب الطّيور للهجرة أبرزها ندرة الطّعام الّذي تتناوله الطّيور في أماكن متنوّعة خلال فصول معيّنة من السّنة، وبخاصّة الأماكن التي تتسّم بشتاء جليديّ وقارس، من هنا تهاجر الطّيور بحثاً عن الطّعام.
بناء على ذلك، فإنّ الطّيور الّتي تعشعش في أماكن باردة تهاجر في فصل الخريف إلى مكان دافئ، وترجع في فصل الرّبيع، أمّا طيور المناطق المدارية، فتعيش في فصل الصّيف الحارّ وفصل ممطر من كلّ عام، ففي هذه الفصول يندر الطّعام والماء بسبب تبخّرها، لذا تهاجر كلّ بداية صيف إلى مناطق رطبة، ثم تعود بعد انتهائه أمّا الطّيور الّتي تعتمد التكاثر، فإنّها تهاجر إلى أماكن حارّة.
وتعتمد الطّيور الّتي لا تهاجر على الحبوب وبراعم الأشجار والتّوت الجّاف، وبيض الحشرات مثل طائر الكاردينال، والطّائر أبو منقار متصالب وكسّار الجوز والطيور المغردّة والعصفور الدّوري، ونقّار الخشب.
وبالرّغم من أنّ الكثير من الطّيور تهاجر للأسباب الّتي ذكرناها، إلاّ أنّ الكثير منها يهاجر مع توفّر الطّعام والماء، الأمر الّذي يدعم الآراء بأنّ هجرة الطّيور تتمّ بواسطة الغدد الصّماء، حيث تفرز مواد كيميائيّة تُدعى الهرمونات، وربّما كان هناك تباين في إفراز هذه الموادّ ما يجعل بعضها يهاجر والبعض الآخر يبقى، حيث يلعب طول النّهار بإفراز الموادّ، لكن يبقى هناك حلقات مفقودة في سبب هجرة الطّيور بأوقات مختلفة.
إلى أين تهاجر الطّيور؟
تهاجر الغالبيّة العظمى منها غالباً في الاتّجاه الشّمالي الجنوبي، وذلك يعود إلى فصول السّنة في نصف الكرة الشّمالي، فيما تختلف الفصول في نصف الكرة الجنوبي، لهذا فإن العديد من الطّيور الشّمالية تهاجر في فصل الخريف وتصل إلى الجهة الجنوبية في فصل الصّيف، كما تختتم بعض الطّيور رحلاتها في المناطق المدارية حيث تكون المناطق حارّة طوال العام.
ترتبط الصّورة النّمطية لهجرة الطّيور بالطّيور البريّة الشّمالية، مثل السّنونو والطّيور الجارحة، الّتي تقوم برحلات طويلة إلى المناطق المدارية.
تقضي أنواع عديدة من طيور المنطقة المتجمّدة الشّمالية كالبطيّات والشّرشوريات الشّتاء في مناطق ذات مناخ معتدل، أي في مناطق ذات شتاء أكثر اعتدالاً. على سبيل المثال، يهاجر الإوّز ورديّ القدمين من أيسلندا إلى بريطانيا العظمى والدّول المجاورة، في حين يهاجر الجنك داكن العيون من مناطق المناخ شبه القطبي والتندرا إلى الولايات المتحدة المجاورة.
ويهاجر الحسّون الأمريكي من غابات الصّنوبر إلى أراضٍ تمتدّ من الشّمال الغربي جنوب الولايات المتحدة إلى غرب ولاية أوريغون. تنتقل بعض أنواع البطّ، كالشرشير الصيفي كلّياً أو جزئياً إلى المناطق المدارية. ويتّبع خطّاف الذباب الأبقع اتجاهات الهجرة والتّكاثر في آسيا وأوروبا ويقضي الشّتاء في أفريقيا.
تحدّد طرق الهجرة وأماكن قضاء الشّتاء اعتماداً على السّلوك الوراثي وعلى النّظام الاجتماعي لأنواع الطّيور. على سبيل المثال أنواع الطّيور الّتي تعيش طويلاً كالّلقالق البيضاء، يقود السّرب عادةً أكبر الأعضاء سناً ويتعلّم الأصغر سنّاً مسار رحلتهم الأولى. في الأنواع ذات الأعمار القصيرة الّتي تهاجر وحدها، كطائر أبو قلنسوة أو الوقواق أصفر المنقار، تتّبع الطّيور في هجرتها الأولى مساراً محدداً وراثياً.