حملة مقاطعة المشاهير.. تاريخية وغير مسبوقة

السّبب غزة!

في زمن يبدو فيه العالم مرتعاً للشّهرة السريعة والثّروة السريعة، يرتقي نجوم السوشال ميديا بسرعة ليصبحوا رموزاً للشّهرة والثراء، فتتراءى لأعين الجماهير كنجومٍ في سماء الشّبكات الاجتماعية. لكنّ وراء أضوائهم السّاطعة “دون تعميم”، تكمن حقيقة مُرّة: جشع غريب، ومحتوى بلا معنى يُسيطر على عقول أجيال بأكملها.

لماذا نتابعهم؟ هل هو الإلهام الذي يمنحونه لنا؟ أم الحياة الفاخرة التي نحلم بها؟ أو ربما لمجرّد الفضول؟ سواء كان السبب هو الهروب من الواقع أو البحث عن التّسلية، فإنهم يستغلّون هذا الفضول، محوّلين المشاهد العادية إلى عروض مسرحية ملوّنة، حيث يتمايلون بين الفخامة المفرطة والرفاهية الزائفة.

سؤالٌ أكثر أهميّة

لكن السؤال الأكثر أهمية هو هل لديهم مبادئ؟ في عالم مليء بالتسويق والإعلان، يبدو أنّ مفهوم الأخلاق والمبادئ قد فقد مكانته، حيث يتم تقديم المحتوى دون أدنى اكتراث للقيم الأخلاقيّة أو للقضايا الإنسانيّة الملحّة، حيث يُعدّ الجدل والانتشار السريع أهم من النزاهة والأخلاق.

مقاطعة عالمية للمشاهير #blockout2024

كالنّار في الهشيم، اتّسعت رقعة الدعوات العالمية لإلغاء متابعة المشاهير أطلقها رواد منصّات التواصل الاجتماعي بسبب صمتهم، أو لربّما عدم اكتراثهم لحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على أهلنا في غزّة! ويشارك في حملة مقاطعة المشاهير الآلاف حتى الآن، ويتزايد عددهم يوماً بعد يوم، في إصرار “رهيب” لإثبات القدرة التي يمتلكها الجماهير في “معاقبة” السكوت أو التواطؤ مع كلّ ما هو غير إنساني.

مقاطعة المشاهير.. استهداف موجّه

وجّهت حملة مقاطعة المشاهير أسهمها بشكل مباشر نحو المشاهير الذين آثروا السلامة والسكوت ابتداءً، حتى امتدّ “لهبها” ليصل إلى كلّ من يروّج لشركات داعمة للكيان بالإعلانات والتسويق، حتى وصل الأمر حالياً إلى الذين لم يقاطعوا تلك الشركات من الأساس! وعلى ما يبدو فإن الحبل لا يزال على الجرار، وماضٍ ليشمل فئات أوسع من المشاهير.

مقاطعة المشاهير.. الحملة الأضخم على الإطلاق

وصف متابعون الحملة الحاليّة على أنّها الأضخم على الإطلاق لحظر المشاهير والمؤثرين الذين رفضوا استخدام منصّاتهم لدعم غزة والقضيّة الفلسطينيّة العادلة، وأشاروا إلى أن الأمر لم يتوقّف عند إلغاء المتابعة، فهناك حظر رهيب للحسابات وتراجع ضخم في عدد المتابعين، الأمر الذي سينعكس بكل تأكيد على شعبيّتهم، ودخلهم الماديّ الذي يجنونه من خلال هذه المنصّات.

هل ما تزال بلاد العرب أوطاني؟

هكذا يختصر العنوان المواقف التي رصدها فريق التحرير من المعلّقين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين هاجموا عدداً من المشاهير العرب بضراوة، منتقدين سكوتهم “المريب” حول ما يجري لإخوانهم، الأمر الذي عزز الدّعوات لأن تكون مقاطعتهم أولى من مقاطعة المشاهير العالميّين. وكما في الحملة العالميّة، وصلت المقاطعة إلى الصامتين، المروّجين، وحتى من ساندوا القضية بداية الحرب ومن ثم توقفوا عن ذلك وتابعوا “حياتهم” الاعتيادية.

التاريخ يعيد نفسه!

“إن لم يجدوا خبزاً، فليأكلوا بسكويتاً”

كانت هذه كلمات “ماري أنطوانيت” ملكة فرنسا المتهوّرة كما يصفها مؤرخون، وتعود هذه العبارة للعام 1789 عندما ثار الجياع الفرنسيون على السلطة، وهو ما أدّى بعد نجاح ثورتهم إلى إعدامها بالمقصلة!

وبعد نحو ربع قرن أو يزيد من حادثة “أنطوانيت” تعود عارضة أزياء مغمورة – نترفّع حتّى عن ذكر اسمها – خلال حفل الميت غالا 2024 لتقول بكل قُبح “فليأكلوا الكيك” وتقصد هنا شعب غزّة الذي يعاني الجوع والحصار منذ أشهر من الحرب، ومنذ سنوات كثيرةٍ قبلها. وكانت هذه العبارات شرارة الصّحوة التي أشعلت الانقلاب ضد مشاهير العالم والتي نعيشها اليوم.

فعاليات مستمرة ووعي جديد يتشكّل

يشهد العالم تغيّراً ملحوظاً في “ميزان” التأييد والمعاداة للقضايا الإنسانيّة، وبعد تدشين الكثير من فعاليّات الدّعم لأهل غزّة بات يظهر جليّاً تغيّر الوعي العالمي خصوصاً في الأجيال الأقل سنّاً نحو اكتشاف حقيقة “مظلوميّة” الشعب الفلسطيني، وأنّ الكثير من وسائل الإعلام ما هي إلّا أداة لتزييف الحقائق، وقلب الرأي العام ليساند الظالم على حساب إنسانيّته. من ثورة الجامعات الأمريكية والعالميّة، إلى حملة المقاطعة للشركات الدّاعمة للكيان، وصولاً لحظر المشاهير، تتعدّد الفعاليات في استمرار “مبهرٍ” لإعادة تشكيل الوعي الشعبي العالمي.

ختاماً، قرّر فريق التّحرير أن يكون هذا المقال مقدّمةً لعددٍ من المقالات الأخرى القادمة، التي سنتناول خلالها المسألة بتعمّق أكثر، ويكون لدينا المزيد من المعلومات “المحدّثة”، لأنّ هذه الموجة العاتية لن تنتنهي بسلام على المشاهير على ما يبدو. لربّما هو اكتفاء من المحتوى الهابط، أو لربّما هو صحوة للذّات وإدراك “قوّة الجماهير” التي يمكن لها أن تكون “تسونامي” جارف وليس فقط موجةً عابرةً سينجو منها من يصمد حتى تمر!

umniah 5g banner

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *