ثورة الجامعات الأمريكية

كولومبيا تتصدّر والعدوى في أوجها!

كما أنّ الغربال لا يمكن أن يحجب نور الشّمس، كذلك القضايا العادلة في عالمنا اليوم، فلم تعد وسائل الإعلام ذات التّأثير الكبير الذي اعتادت عليه منذ زمن، وذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، والعديد من وسائل التوثيق الأخرى، على الرغم من تحيّز الكثير منها، واتباعها لسياسات مضلّلة!

عالمنا اليوم أصبح مفتوحاً على مصراعيه، وأصبح بإمكان كلّ متابع أن يضع يده على الحقيقة مباشرة. والمهم هنا؛ في الصراع الذي يعيشه أهلنا في فلسطين وخصوصاً قطاع غزّة؛ لم يشهد التّاريخ تأييداً غربياً “شعبياً” كالذي نشهده اليوم، ووصل الأمر إلى فئة هي الأكثر تأثيراً، وهم النّخبة التي تعوّل عليها بلدانهم لقيادة المستقبل وتشكيل سياستها المستقبلية “طلاب الجامعات” وإعلان ثورة الجامعات الأمريكية.

مظاهرات الجامعات الأمريكية.. وعي مفاجىء ونوايا صادقة

ثورة الجامعات الأمريكية

تفاجأ الجميع من العزيمة الكبيرة التي يخوض بها طلاب كثير من الجامعات الأمريكيّة “صراعاً” ضد الظلم، وإصرارهم على نصرة القضيّة العادلة لشعب يعاني القهر منذ عقود، حتى مع أنّهم جميعاً عاشوا طفولتهم وشبابهم في أحضان “بروباغاندا” موجّهة وأخبار مضلّلة حول مظلوميّة الظالم، وتجريم الضّحية! ومع ذلك، أثبتوا مجدّداً أنّ الإنسانيّة تنتصر في النهاية، والشعور النبيل هو الذي سيقود الأفعال والمواقف.

شرارة بدأها أبناء كولومبيا

في أروقة جامعة كولومبيا الأميركية، يواصل الطلاب اعتصامهم، يرفعون شعارات النّضال، ليس لمصلحة فرديّة بل من أجل قضية عالمية؛ الدفاع عن حقوق الإنسان والمساهمة في تغيير السياسات المالية التي تدعم الظلم والاضطهاد للكيان الصهيوني المحتل. هذا الاعتصام، الذي يعبّر عن مواصلة مسيرة النضال في جامعة كولومبيا، يسلط الضوء على الروح الناضجة والتزام الطلاب بقضايا العدالة الاجتماعية، وسرعان ما انتشر إلى جامعات بطول البلاد وعرضها، وتجاوز المحيط إلى جامعات أوروبيّة وحتى أسترالية ويابانية!

تاريخ وراء ثورة الجامعات الأمريكية

يعود تاريخ النضال في جامعة كولومبيا إلى ستينيات القرن الماضي، عندما دعا طلاب الجامعة إدارتهم إلى قطع العلاقات الماليّة مع شركات تدعم الحرب على فيتنام، وبعدها نظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا في ثمانينيات القرن. وقد تجلّى هذا النّضال في مواجهات ومظاهرات استمرت أسابيع وأكثر، مطالبةً بسحب الاستثمارات التي تدعم القمع والتمييز.

في عام 1983، أيّد مجلس الشيوخ الطلاب قرار سحب الاستثمارات في جنوب إفريقيا، لكنّ أمناء الجامعة رفضوا هذا القرار، إلا أنّ مواصلة النّضال وتصاعد الضغط من قبل الطّلاب أدى في النهاية إلى قرار بيع الأسهم التي تمتلكها الجامعة في تلك الشّركات.

وفي عام 2015، أصبحت الجامعة أول جامعة أميركية تسحب استثماراتها من شركات السّجون الخاصة، وذلك بعد حملة طلابية طويلة استمرت أكثر من عام.

ثورة الجامعات الأمريكية وفلسطين

منذ تأسيس الكيان عام 1948، وهو يلعب دور الكيان الديموقراطي الذي يحترم حقوق الإنسان، ويقدّم صورة “زائفة” في مجال العمل الإنساني. وكثيراً ما تخضع جرائمه “لعمليات تجميل” لا ننكر نجاحها مسبقاً في إظهاره بمظهر الضحية، وتجريم من يقعون تحت مطرقته، وهم شعب كامل تم تهجير من لم يتعرض منهم للقتل، وسرقة ممتلكاته وأراضيه، وكلّ ذلك استناداً لنصوص تاريخية لا نعلم من أملاها عليهم!

مؤخراً، وبعد أن بدأ طلاب جامعة كولومبيا ثورة الجامعات الأمريكية، ظهرت لوحة واقعية لصورة الاحتلال، والتي تفاجأ الغربيون بأنها “مشوهة” إلى أبعد حد على نقيض تلك التي كان يظهرها عن نفسه، أو يرويها بلسان وسائل إعلامٍ تؤيده ظالماً أو مظلوماً!

أما العدوى التي انتشرت كالنار في الهشيم ضمن ثورة الجامعات الأمريكية، فأثبتت أن “جيل الإنترنت” لا يمكن ترويضه أو خداعه برواية لطالما افتقرت للحقائق والدلائل، وكل ما استندت عليه هو مصطلح فضفاض وظّفه الكيان كيفما شاء “معاداة السامية”.

تأثير ثورة الجامعات الأمريكية

تُظهر مسيرة النضال في جامعة كولومبيا والجامعات الأخرى التي لحقتها، قدرة الشّباب على التأثير وتغيير السياسات المؤسسيّة. فقد أثبتت هذه الحركة أن صوت الطلاب قادر على إحداث تغيير حقيقي في السياسات المالية والاستثمارية للجامعة وسياسات دولهم وإن كانت تصنّف على أنّها من العالم الأول. وبفضل النضال المستمر والتضحيات التي يقدمها الطلاب، تحولت جامعة كولومبيا “على مستوى طلابها” إلى نموذج لالتزامها بالقيم الإنسانية والمساهمة الفعّالة في تحقيق العدالة الاجتماعية.

الآن، حتى بعد اعتقال المئات منهم، لا تزال مظاهرات الجامعات الأمريكية مستمرة، ولا يزال صوت أبنائها يصدح عالياً لنصرة المظلوم، ليثبت مجدداً أن “الإنسانية” عقيدة لا تتجزأ، بغض النظر عن العرق أو اللون والمعتقد!

umniah 5g banner

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *