تنازع الرواة في ألف ليلة وليلة
مؤيد الشرعة - جامعة آل البيت - يعد الراوي عنصراً أساسياً من عناصر السرد في البناء السردي الأسطوري لا سيما في حكايات ألف ليلة وليلة، فالراوي هو الذي يسرد الأحداث، ويصف الشخصيات، ويبني السياقات المكانية والزمانية، ويوظف الأسطورة والخطاب العجائبي.
حكايات ألف ليلة وليلة وتعدد الرواة
وفي حكايات ألف ليلة وليلة نجد أنها لا تخلو من حضور واضح للرواية، فهي حكايات متسلسلة، تتوالد حكايات من حكايات، لكن الراوي الأساسي هو شهرزاد التي تقص أحداث القصص على شهريار، وتمهد القصة وأبطالها ومكانها وزمانها قبل أن تسلم السرد لشخصية من الشخصيات، فهي لا تتأثر بالرؤية على الدوام.
دور الشخصيات في سرد الأحداث
"بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة عبد الملك بن مروان لما تحدّث مع أعوانه وأكبر دولته، وتذكروا سيدنا سليمان عليه السلام، وما أعطاه الله من الملك قالوا له: إنه وصل إلى شيء لم يصل إليه أحد حتى أنه كان يسجن المرتدة والشياطين في قماقم من النحاس ويسبك عليها الرصاص، ويختم عليهم بخاتمه".
فكما نرى أن شهرزاد أخذت دور الراوي للأحداث، الممهد للخطاب، فهي تخبر شهريار بفحوى القصة بشكل مختصر، ثم تسلم السرد لشخصية من شخصيات الحكاية، فهي بعد هذا التمهيد تترك السرد وتتنحى لشخصية طالب بن سهل الذي يتولى مهمة الرواية كما نرى في السرد الآتي:
"وأخبر طالب بن سهل أن رجلا نزل في مركب مع جماعة، وانحدروا إلى بلاد الهند ولم يزالوا سائرين حتى طلع عليهم ريح فوجههم ذلك الريح إلى أرض من أراضي الله، وكان ذلك في سواد الليل".
إمساك الراوي بزمام القصة
من الواضح أن شهرزاد تخلت عن الرواية للأحداث لشخصية من شخصيات السرد، التي شرعت تسرد قصة جديدة داخل قصة، فهذا الأسلوب من السمات الفنية لكتاب ألف ليلة وليلة، فحضور راوٍ جديد يعني في بعض الأحيان حضور قصة جديدة، هذا بالإضافة إلى أن شهرزاد تتخلى بسهولة عن السرد لشخصية من شخصياتها وهذا يجعل البناء السردي أكثر تشويقا في رأيي.
لكن شهرزاد تعود وتمسك بزمام الرواية، فهي بذلك ترد الحديث للقصة الأصلية، وتنهي حركة السرد في القصة التي فرعها طالب بن سهل، كما نرى في النص الآتي:
"فاستحسن أمير المؤمنين هذا الكلام، وقال والله إني لأشتهي أن أرى شيئا من هذه القماقم، فقال له طالب بن سهل...."
فهذا النص السابق يكشف لنا عن إمساك شهرزاد لرواية الأحداث، بعد أن أنهى طالب بن سهل حديثه وسرده، فعادت تقص حال الشخصيات الأخرى وردود أفعالهم لتسلم السرد لشخصية جديدة.
ولعل الشخصية الأبرز التي تولت السرد بعد شهرزاد هي شخصية الجني المقيد الذي ألقى به موسى بن نصير والشيخ الدليل، فقد أمسك بالسرد من شهرزاد، وبدأ يحكي للحاضرين عن قصة سجنه على يد الملك سليمان عليه السلام، بعد أن هزم جيش الجن الذي كان فيه في حربهم معه.
وفي نهاية الحديث ترى الباحثة إن انتقال السرد والرواية من شخصية لأخرى يجعل السرد أكثر تشويقا، ويفتح مجالا لبناء وتوليد قصص أخرى الأمر الذي يتفق مع طبيعة كتاب ألف ليلة وليلة.