بين التطوّر التقنيّ وظروف العمل الحديثة 

في عالمنا الحديث المتسارع، أصبح العمل لساعات طويلة ظاهرةً متزايدة، تتفاقم مع التقدّم التقني والتغيّرات المستمرّة في ظروف العمل، ولم تعد الحدود بين الحياة المهنيّة والشخصيّة واضحة، وعلى الرغم من الفوائد العديدة التي جلبتها هذه التّطورات، إلا أنها جاءت بثمنٍ باهظ على صحّة الأفراد ورفاههم، وهنا، سنسلّط الضوء على أضرار العمل لساعات طويلة، ونبيّن أكثر “السلبيّات” شيوعاً لهذه الظاهرة، وتأثيرها على حياتنا. 

أضرار العمل لساعات طويلة: عدوّ خفيّ للصحة والإنتاجيّة 

شخص متعب

 

في ظل ضغوط الحياة العصريّة، يضطر الكثير منّا للعمل لساعاتٍ طويلة، معتقدين أن ذلك هو سبيل النّجاح وتحقيق الطّموحات. إلّا أنّ ما يجهله البعض هو أنّ هذه الممارسة، وإن بدت ضروريّة، تخفي وراءها مخاطر جمّة على الصحة الجسديّة والنفسيّة، مهددةً جودة حياة الفرد وإنتاجيته. 

مخاطر صحيّة جسيمة 

أظهرت العديد من الدراسات أن العمل لساعات طويلة يُعدّ من أهمّ العوامل المُسبّبة لارتفاع ضغط الدم، مما يُهدّد بالإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية. كما أن قلّة النوم المُصاحبة للعمل لساعات طويلة تُضعف جهاز المناعة، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المُعدية، واضطراب العديد من الوظائف الحيويّة للجسم. 

ولا تتوقف أضرار العمل لساعات طويلة عند ذلك، بل يُعدّ الإجهاد المُزمن النّاتج عنها من أهمّ أسباب الإصابة بمرض السّكري، واضطرابات الجهاز الهضمي، وارتفاع الكوليسترول، والسمنة، والإجهاد المزمن يُضعف قدرة الجسم على التّعامل مع التوتّر، ممّا يؤدّي إلى آثار طويلة الأمد على الصحة العامّة. 

تأثيرات نفسيّة حقيقيّة 

لا تقتصر أضرار العمل لساعات طويلة على الجانب الجسدي، بل تمتد لتُؤثّر بشكلٍ سلبيّ على الصحّة النّفسية للفرد. فالنّوم غير الكافي والتعرّض المستمر لضغوط العمل يؤديان إلى الشعور بالإرهاق والتعب، مما يقلل من قدرة الفرد على التركيز والانتباه، ويؤثر سلباً على أدائه في العمل. 

كما أن العمل لساعات طويلة يقلل من وقت الفراغ الذي يمكن للفرد استثماره في ممارسة الأنشطة البدنيّة التي تنعكس على الصحّة الذهنيّة، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة والعزلة أو “الضغط النّفسي، وقد يُؤدّي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق. الضغط النفسي المستمر يمكن أن يتسبب في اضطرابات النوم، مما يزيد من حدة المشاكل النفسية ويفاقم من آثارها. 

تهديد للإنتاجيّة 

إنّ ما يجهله الكثيرون هو أن العمل لساعات طويلة لا يعني بالضرورة زيادة الإنتاجية، بل على العكس، فقد أظهرت الدّراسات أنّ قلّة التّركيز والتّعب الناتجين عن العمل لساعات طويلة يؤدّيان إلى انخفاض الإنتاجيّة بشكلٍ كبير. كما أنّ الإجهاد المُزمن يُؤدّي إلى اتّخاذ قرارات خاطئة، مما يُؤثّر سلباً على جودة العمل. 

كما أنّ الإرهاق الجسدي والنفسيّ يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدّلات الغياب والتسرّب الوظيفي، مما يزيد من التكاليف التشغيليّة للشّركات ويقلّل من كفاءة العمل الجماعي. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي “تدنّي الحالة الصحية للعاملين إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية، مما يشكل عبئاً إضافياً على المؤسسات. 

حلول ضروريّة لساعات العمل الطويلة 

هناك العديد من الخطوات والحلول التي يمكن اتّباعها لحماية صحة الأفراد وتحسين إنتاجيتهم، للحدّ من ظاهرة أضرار العمل لساعات طويلة، ومن المهمّ على أصحاب العمل توفير بيئة عمل مناسبة تُساعد على تحسين الإنتاجيّة، وتقلل من الضغوط على الموظفين. ويمكن تحقيق ذلك من خلال: 

  • تنظيم ساعات العمل: التأكّد من وجود توازن بين العمل والحياة الشخصيّة للموظفين. 
  • توفير فترات راحة: السماح للموظّفين بأخذ فترات راحة منتظمة خلال ساعات العمل. 
  • تعزيز الصحّة النفسية: توفير دعم نفسيّ وبرامج رفاهية للعاملين. 
  • التشجيع على ممارسة الرياضة: توفير منشآت رياضيّة أو عضويّات في صالات رياضيّة. 
  • ضمان ساعات نوم كافية: التّشجيع على سياسات نوم صحيّة. 

كما أن على الأفراد أنفسهم تنظيم وقتهم بشكلٍ فعّال، وتحديد فترات راحة كافية خلال ساعات العمل، وممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم. إنّ التحسين الشخصي والتوعية بأهميّة الصحة الجسدية والنفسيّة يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تخفيف الأضرار الناتجة عن العمل المفرط، فالعمل لساعات طويلة يُعدّ سلاحاً ذا حدّين، فبينما قد يبدو ضرورياً لتحقيق النجاح، إلاّ أنّ أضراره على الصحة الجسديّة والنفسيّة والإنتاجيّة لا يُمكن إغفالها. 

umniah 5g banner

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *