دور شركات التكنولوجيا الكبرى في مكافحة التغيّر المناخي

ربما لاحظتم كيف أثّرت التكنولوجيا على حياة البشر، حتى أصبحت الحاجة إليها جزءاً رئيسيّاً كحاجتنا إلى الطعام والشراب والملبس والمأوى.

إنّ هذا الدور غير المسبوق للتكنولوجيا في حياتنا، يضع على عاتق شركات التكنولوجيا مسؤوليات جسام عدّة، ليس أقلها دور الشركات في مكافحة التغيّر المناخي.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على الضغوط المتزايدة التي واجهتها شركات التكنولوجيا الكبرى في السنوات الأخيرة للمساهمة بشكل أكبر في تغيّر المناخ، وإلى الإجراءات التي اتخذتها هذه الشركات مثل فايسبوك وجوجل، ضد الترويج للمعلومات الخاطئة المتعلقة بالتغيّر المناخي.

التغير المناخي والتكنولوجيا

التغير المناخي والتكنولوجيا

أججت الثورة الرقمية المخاوف من تهديدات على صحة الإنسان والأرض التي تنتج الغذاء وتختزن الماء في جوفها، حيث أنّ إدمان الإنترنت يحمل بين طياته تكاليف بيئيّة عالية، في حين أن الأجهزة الحديثة لها آثارها السلبية كذلك.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، ما ذكرته منصة تيك سلانغ (Techslang) في تقرير لها، أن تغيير شخص لهاتفه الخلوي مرة كل 3 سنوات، يعني ذلك تغيير الهاتف 23 مرة في حياته، على فرض أن عمر الإنسان الافتراضي 70 عاما.

إن هذه المرات من التغييرات تعني مزيداً من التصنيع للهواتف، الأمر الذي سينجم عنه وفق المنصة، 1.61 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من الشخص الواحد، أي ما يعادل الانبعاثات الناجمة عن الطيران من لندن إلى نيويورك 2.5 مرة، فما بالك الأثر الناجم عن 7 مليارات إنسان!

الرقمنة و البيئة

الرقمنة لصالح البيئة

يُعد التحالف الرقمي الأخضر الأوروبي، المنبثق عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أكبر تحرك من نوعه يهدف لمساعدة العالم على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحويل القطاعات الاقتصادية الرئيسية رقميًا.

والتزم الموقعون، وعددهم 26 شركة بأن تصبح هذه الشركات محايدة للكربون بحلول عام 2040 على الأكثر، من خلال الاستثمار في تطوير ونشر تقنيات وخدمات رقمية صديقة للبيئة تكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة والمواد، وتطوير أساليب وأدوات لقياس التأثير الصافي للتقنيات الرقمية الخضراء على البيئة والمناخ، من خلال توحيد الجهود مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات المتخصصة ذات الصلة، في سبيل الرقمنة في نهاية المطاف لصالح البيئة والمجتمع والاقتصاد.

ويمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تساعد في تقليل انبعاثات الكربون في العالم بنحو 17%، وفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، وهو هيئة تابعة للأمم المتحدة.

وتقول الجهات الفاعلة في الصناعة إن الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد في جعل شبكات النقل الكهربائية أكثر كفاءة، كما يمكن أن تسمح تقنية بلوك تشين Blockchain للمواطنين المعنيين بتتبع انبعاثات الكربون للشركات، ويمكن زيادة تعزيز استخدام الأقمار الصناعية في مراقبة التغيرات البيئية بما في ذلك أنشطة مثل قطع الأشجار غير القانوني والتعدين وإلقاء النفايات، في البحر أو البر.

وتعهدت الدول الأوروبية ببناء شبكات 5G  و6G مع دعم تقنية blockchain والحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي، والتي وصفوها بأنها تغيّر قواعد اللعبة المحتملة في المعركة ضد ارتفاع درجة حرارة الكواكب.

إنّ هذا الجهد على صعيد الشركات والدول، لم يكن كل ما قامت به البشرية في سبيل مكافحة التغير المناخي، فهناك جهود أخرى معنيّة بالمحتوى، يتمثل بجهود الشركات الأكبر في العالم، التي توفر منصاتها للمحتوى.

جوجل يوتيوب فايسبوك

جوجل..يوتيوب..فايسبوك

لم تقف شركتا جوجل وفايسبوك مكتوفة الأيدي حيال الانبعاثات الكربونية الناجمة عن عملهما، فقد تعهدتا غير مرة بالوصول إلى مستوى صفري لانبعاثات الكربون مع حلول العام 2030، وبنفس الهدف الذي كانت شركة مايكروسوفت أعلنت عنه قبلهما.

إلى جانب ذلك، أعلنت شركة جوجل عملاقة الإنترنت عزمها منع منكري التغير المناخي من إمكانية جني أموال من محتواهم عبر منصاتها، حيث ستطرح خلال أيام سياسة جديدة للمعلنين والناشرين ستحظر الإعلانات وجني الأموال من المحتوى الذي "يتعارض مع الإجماع العلمي الراسخ حول وجود وأسباب التغير المناخي".

وتسعى الشركة، التي تملك يوتيوب كذلك، لمحاربة المحتوى على منصاتها الذي يعتبر أن تغيّر المناخ هو خدعة أو احتيال، والادعاءات التي تنكر أن الاتجاهات طويلة الأجل تظهر أن المناخ العالمي آخذ في الاحترار، والمزاعم التي تنفي أن كل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو النشاط البشري يساهم في تغيّر المناخ.

وزادت الملاحظات والتقارير التي تشير بأصابع اتهام إلى عملاق منصات التواصل الاجتماعي فايسبوك، بفتح المجال لانتشار إعلانات مضللة بشأن المناخ من متاعب فايسبوك بخصوص جدوى خوارزمياتها بحظر المحتوى غير المرغوب.

هذه الملاحظات، دفعت فايسبوك للسعي بقوة لمعالجة المنشورات المضللة المتعلقة بتغير المناخ والدعاية المناهضة للبيئة، حيث تم في شباط (فبراير) من عام 2021 إطلاق تجربة جديدة يتم فيها تصنيف المشاركات حول تغيّر المناخ تلقائياً بشعار معلومات يوجّه الأشخاص إلى بيانات دقيقة عن علوم المناخ في مركز معلومات علوم المناخ التابع للشركة.

ويستخدم مركز معلومات علوم المناخ، الأبحاث التي تم تدقيقها من قبل المنظمات العلميّة الرائدة، ويستعين كذلك بوحدة لخرق الأخبار المضللة للمناخ التي تعمل بنشاط على فضح المعلومات الخاطئة التي يتم تداولها عبر الإنترنت.

المستقبل

ماذا عن المستقبل؟

في الوقت الذي تبدو فيه جهود شركات التكنولوجيا الحاليّة لمكافحة تبادل المعلومات المضللة عن المناخ كافية إلى حد ما، إلا أن هذه المحاولات قاصرة حتى الآن على منع انتشار هذه المعلومات عبر المنصات المختلفة.

وهنا، يأمل علماء المناخ من إتاحة المجال لهم، للتدخل أكثر في طريقة مكافحة عمالقة الإنترنت والتواصل الاجتماعي للأخبار المضللة، من خلال الوصول للبيانات الداخلية للشركات العملاقة، لفهم كيفية انتشار البيانات المضللة، وتأثيرها على المجتمع والكوكب.

قد تبدو هذه العملية صعبة إلى حد ما، لكنها ضرورية في تأمين إجراءات استباقية لنشر المعلومات المضللة، وبالتالي تجنّب عناء نفي الإشاعة، بالعمل على وأدها قبل ظهورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *