ميسي من إسبانيا إلى فرنسا
أثارت صفقة انتقال أسطورة الكرة العالميّة الأرجنتيني ليونيل ميسي من إسبانيا إلى فرنسا، الجدل في عالم الكرة المستديرة، لا لقيمتها أو لتوقيتها أو لأي سبب من هذا النوع، بل لأن النجم الثلاثيني هو بطل هذه الصفقة.
عامان قابلان للتجديد، يحصل اللاعب فيهما على 35 مليون يورو سنويا، هي التفاصيل الرقمية لصفقة انتقال اللاعب ليونيل ميسي من برشلونة الإسباني، إلى باريس سان جيرمان الفرنسي.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على البرغوث، أو اللّاعب الأعظم على مدار التاريخ، منذ أن كان طفلا صغيرا حتى بلغ قمة مجده.
أصول إيطالية
ولد ليونيل أندريس ميسي كوتشيتيني في 24 حزيران (يونيو) من عام 1987، جنوب مدينة روساريو، في مقاطعة "سانتا في" بالأرجنتين لأسرة مكوّنة من الأب خورخي هوراسيو ميسي، وسيليا ماريا كوتشيتيني، وشقيقان يكبراه سنّاً هما رودريغو وماتياس وكذلك أخت، تُدعى ماريا سول.
تنحدر عائلة ميسّي من أصول إيطالية، فجده الأكبر "أنجيلو ميسي"، هو شقيق "جيوفاني"، ولد في إيطاليا عام 1866، وكان الأخ الأصغر، وبعد أن تزوّج انتقل للعيش في مقاطعة مونتيفانو الإيطالية.
ظل الشقيقان يعملان من شروق الشمس إلى غروبها في مونتيفانو، لكن ما يكسبانه كان يكفي بالكاد لإطعام أفراد الأسرة.
وقتها كان هناك اتّجاه بين الشباب للهجرة إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية للبحث عن حياة أفضل، وهذا دفع الأخ الأصغر "أنجيلو وزوجته ماريا" إلى السفر عبر السفينة في المحيط الأطلنطي وصولاً إلى روساريو في الأرجنتين عام 1893، ولم يعودا بعدها أبدا إلى إيطاليا.
موهبة مبكرة وفقر وصدمة
كانت عائلة ميسي تكافح عند مولد ابنها النجم، للتخلّص من الفقر الذي كانت تعيش فيه، فوالده كان عاملاً في أحد المصانع ووالدته كانت عاملة نظافة.
وفي سن الخامسة، تم اكتشاف موهبة ميسي، ليلعب في نادٍ محليّ كان يشرف على تدريبه والده، انتقل بعدها بثلاث سنوات إلى نيولز أولد بويز في مدينة روساريو، مسقط رأسه عام 1995.
ولّدت وفاة جدّة ميسي حزنا في قلب الموهوب الصغير أثناء لعبه في نيولز أولد بوير، لينقطع إثرها عن كرة القدم لأسابيع، عاد بعدها للعب بتشجيع من والده، لتحقيق حلم جدته في أن يصبح لاعباً محترفاً، لتكون جدّته فخورة به.
في سن الحادية عشرة، تم اكتشاف مرض نقص هرمونات النمو لدى البرغوث، ما شكّل صدمة أخرى لميسي وعائلته، حيث يحتاج معها الموهوب الفقير لـ 900 دولار شهريا للعلاج.
كانت الأرجنتين آنذاك تعاني من أزمة اقتصادية، ساءت معها الأحوال الاقتصاديّة في البلاد، وتعذّر معها إيجاد تمويل لدفع هذا المبلغ الشهريّ، حتى أن نادي ريفر بليت العريق أبدى رغبة بضم ميسي والتكفّل بعلاجه حتى توقف عن الفكرة لنقص المال اللازم للعلاج.
كادت هذه الأزمة أن تودي بطموح ومستقبل النجم الأرجنتيني حتى جاء الفرج من إسبانيا، حيث استقطبت موهبة ميسي انتباه المدير الرياضي لنادي برشلونة، كارلوس ريكساش، ليقدم الأخير عرضا إلى والد ميسي، باختبار قدرات ابنه، وإن نجح سيتكفّل النادي الكتالوني بعلاجه، وهو ما كان.
منديل ورقي يشهد على تاريخ جديد لبرشلونة
يمكن اعتبار يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) من عام 2000 يوماً تاريخياً في تاريخ نادي برشلونة؛ حيث نجح السكرتير الفني للنادي في توقيع أول عقد مع الفتى الأرجنتيني ابن الاثني عشر ربيعاً، حيث تم الاتفاق المبدئي بينهما وتم تدوينه على منديل ورقي، كان بحوزة السكرتير الفني.
لعب ميسي أول مباراة رسميّة له مع الفريق الأول في مباراة وديّة ضد جوزيه مورينيو عندما كان يدرب بورتو في16 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2003 (بعمر 16 سنة و 145 يوما).
وبعد أقل من عام، استدعاه المدرب فرانك ريكارد ليلعب لأول مرة في الدوري ضد إسبانيول في 16 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2004، (بعمر 17 سنة و 114 يوما)، ليصبح ثالث أصغر لاعب يلعب مع صفوف الفريق الأول وأصغر لاعب يلعب مع برشلونة في الدّوري الإسباني محققاً رقماً قياسيّاً حطّمه زميله بويان كركيتش في أيلول (سبتمبر) من عام 2007.
بيد أن الكثيرين يرجحون أنّ بداية ليونيل ميسي الحقيقيّة كانت عندما سجل هدفه الأول أمام ألباسيتي، بعد تمريرة من اللاعب البرازيلي رونالدينيو ليسددها ميسي كرة ساقطة فوق حارس المرمى، وبهذا الهدف أصبح ميسي أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يسجل هدفاً في الدوري الإسباني، وهو بعمر 17 سنة و10 أشهر و7 أيام، واستمرّ يحمل هذا اللقب حتى عام 2007 عندما حطمه كركيتش مجددا.
أيّاً كانت الفترة الحقيقية لبدء عصر برشلونة – ميسي، من وجهة نظر النقاد، فإن المواسم اللاحقة ستشكل تاريخا جديدا لبرشلونة.
برشلونة يصعد وميسي يتألق
تعكس الأرقام التي تحققت لبرشلونة في عهد ميسي، ولميسي أثناء لعبه في برشلونة، نجاحات حققها الطرفان في المسيرة التي امتدت لـ 21 عاما، منذ عقد "المنديل الورقي"، و17 عاما منذ انضمامه للفريق الأول.
فقد خاص ميسي مع الفريق الكروي الأول بنادي برشلونة الإسباني (778) مباراة بمختلف المسابقات سجّل خلالها (672) هدفا وصنع (305) هدفا آخرين.
وأحرز لقب بطولة الدوري الإسباني مع برشلونة في 10 مناسبات، وكأس ملك إسبانيا 7 مرات، وفي مثلهما حصد لقب السوبر الإسباني.
وعلى الصعيد الأوروبي والعالمي حصد ميسي رفقة "البارسا" لقب دوري أبطال أوروبا في 4 مناسبات، والسوبر الأوروبي 3 مرات، كما حصد لقب كأس العالم للأندية أيضا 3 مرات.
ويعد ميسي اللاعب الوحيد بالعالم الأكثر تتويجا بجائزة (الكرة الذهبية) التي يحصل عليها لأفضل لاعب في العالم، بعدما حصل عليها في 6 مناسبات أعوام 2009 و 2010 و 2011 و 2012 و 2015 و 2019.
ميسي – رونالدو
مع تسيّد كامل لأرقام لاعبي برشلونة في التّاريخ، شهد انضمام النجم البرتغالي كريستيان رونالدو لنادي ريال مدريد في عام 2009، نقلة نوعية في شكل المنافسة بين طرفي كلاسيكو الأرض "ريال مدريد وبرشلونة"، إلى منافسة ثنائيّة بين رونالدو وميسي.
وتسابق النقّاد في إطلاق المقارنات بين النجمين، حول أيهما أفضل من الآخر، سواء من حيث البطولات التي فازوا بها مع أنديتهم أو منتخبي بلادهم أو على صعيد تحطيم الأرقام القياسيّة.
وفي حين يقدّم العديد من المحللين ميسي على حساب رونالدو، إلا أن محللين آخرين يضعون رونالدو الذي لعب موسمين أكثر من ميسي، في المركز الأول على حساب النجم الأرجنتيني.
وبغض النظر عن ميول الجمهور النادوية، أو حقيقة التعامل مع الأرقام والإحصائيات التي يتم الاستشهاد بها، إلا أن ميسي – رونالدو، شكلا ثنائية في الدوري الإسباني، امتدت لـ 9 مواسم وضعت الدوري الإسباني على قمة أقوى وأمتع الدوريات في العالم.
حلم طال انتظاره..كوبا أميركا 2020
رغم كل ما قدمه ميسي في عالم كرة القدم على مستوى فريق برشلونة، إلا أن شيئا ناقصا بقي عاجزا عن تحقيقه، وهو الفوز بلقب قاري أو عالمي لمنتخب الأرجنتين.
لازمت العقدة ميسي سنوات وسنوات، وبلغت ذروتها في عام 2014، عندما تقابل مع منتخب بلاده في نهائي كأس العالم مع ألمانيا، وخسره أمام ألمانيا بهدف مقابل لا شيء.
كانت المقارنة لميسي مع غيره من أساطير الكرة تصطدم باللقب مع منتخب بلاده، دخل في مقارنات مع مارادونا وبيليه صانعي أمجاد منتخباتهم، وحتى مع رونالدو الفائر بكأس أمم أوروبا، يورو 2016.
وفي عام 2021 كانت الانفراجة، حيث استضافت البرازيل منافسات كوبا أميركا 2020، التي تأجّلت لعام كامل بسبب جائحة كورونا، وشكلت بوّابة رسميّة لميسي ليدخل منها إلى سجل الأبطال المحققين لبطولات مع منتخبات بلادهم، بعد الفوز على صاحبة الأرض بهدف يتيم.
أينما حل ميسي يبقى هو ميسي
شكّل رحيل ميسي عن برشلونة صدمة وخسارة كبيرة لجماهير الفريق الكتالوني، وللنجم الأرجنتيني نفسه، حيث ذرف الدموع في آخر مؤتمر صحفي عقده لوداع النادي الذي نشأ وترعرع وتألق فيه.
الجماهير نفسها لم تكن تتصوّر أن الدوري الإسباني سيكون بلا ميسي لأول مرة منذ 17 عاما، لكن هذا ما جرى، بعد ماراثون من المفاوضات والمشاورات لتجديد آخر نسخة عقد وقعت بين الطرفين عام 2017.
فقد زادت صفقة انتقال النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى باريس سان جيرمان، شعبية النادي الفرنسي على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ضخم، وذلك بسبب القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي يحظى بها أسطورة برشلونة والمنتخب الأرجنتيني.
وكان التأثير الأكبر لزيادة عدد المتابعين بشكل جنوني، على حساب باريس سان جيرمان عبر موقع إنستغرام، حيث زاد عددهم لأكثر من 6 ملايين متابع ما بين تاريخ 9 و12 أغسطس/آب الجاري.
ويشتهر ميسي بألقاب أخرى، كـ"البولغا"، وهي كلمة إسبانية تعني "البرغوث" بالعربية، ويلقب أيضا، باسم "GOAT"، وهي اختصار لجملة greatest of all time، أي الأعظم على مدار التاريخ.