انقطاع خدمات الإنترنت: كف عفريت؟
ابراهيم المبيضين- جريدة الغد بعد أن اصبح الانترنت "عصب الحياة" الاجتماعية والاقتصادية لكل العالم، أصبح مفهوم "ديمومة" الخدمة وصيانتها وإصلاحها على نحو سريع إذا ما تعرضت لأعطال ضرورة قصوى، فتوقف الخدمة لأي سبب كان ولو لساعات قليلة يضع العالم "على كف عفريت" ويلحق الكثير من الأضرار والخسائر الاجتماعية والمعنوية والاقتصادية، وفي انقطاع خدمات فيسبوك الشهر الماضي أكبر مثال على ذلك.
وفي الوقت الذي يرتبط فيه أكثر من 60% من سكان الأرض بالشبكة العنكبوتية، يؤكد خبراء محليون أهمية وجود استراتيجيات وقائية وعلاجية سريعة لمعالجة ووجود بدائل لإعادة التشغيل في حال حدوث أي أعطال تطرأ على خدمات الإنترنت العالمية وخدمات شبكات التواصل الاجتماعي من قبل المزودين العالميين القائمين على الخدمة، وذلك لأن أعدادا كبيرة من الناس أصبحت ترتبط في حياتها وأعمالها على هذه الخدمات.
وعلى صعيد متصل أكد الخبراء أيضا أهمية مفهوم "لا مركزية الإنترنت" أي عدم ارتباط الخدمة بعدد قليل معين من الجهات التي تتحكم في الخدمات وفي إدارتها تقنيا، وتوزيعها على عدد كبير من المزودين، فالمركزية تعني أنك تضع كل البيض في سلة واحدة، فعندما تنكسر هذه السلة يتحطم البيض كله، كما حدث في حالة الأعطال الكبيرة التي طالت تطبيقات فيسبوك قبل أسابيع مع اعتماد الشركة على عدد محدود من المزودين ونقاط تشغيل الخدمات الامر الذي تسبب في انهيار كل الخدمات مرة واحدة وأثار شكاوى وانتقادات كبيرة طالت الشركة التي احتاجت إلى وقت طويل حتى تعيد خدمات تطبيقاتها.
ولوصف المشهد الرقمي ومدى ارتباط الناس وتواجدهم على الشبكة العنكبوتية ومختلف منصاتها وتطبيقاتها، وحجم التاثير الذي يمكن أن تحدثه انقطاعات هذه الخدمات واعطالها على الناس تظهر الارقام العالمية ان عدد مستخدمي الانترنت بشكل عام حول العالم سجل الشهر الماضي قرابة 4.9 مليار مستخدم، فيما يقدر عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بحوالي 4.6 مليار مستخدم، كما ويقدر عدد مستخدمي الهواتف المتنقلة بنحو 5.3 مليار مستخدم.
ويؤكد المدير التنفيذي للجمعية الأردنية للمصدر المفتوح عيسى المحاسنة ان الانقطاعات والاعطال التي تصيب خدمات الانترنت بشكل عام وبصرف النظر عن الأسباب سواء كانت هجمات سيبرانية أو نتيجة أعطال فنية فهي دائما تعكس مدى ارتباط الناس بهذه المنصات والتطبيقات واعتمادهم عليها في حياتهم اليومية والعملية، لافتا إلى أن امتلاك شركات محدودة وتحكمها بعدد من التطبيقات هو نوع من الاحتكار الذي تتحكم فيه جهة واحدة والذي يجب مواجته في دول العالم المختلفة.
وأكد المحاسنة ان هذه الانقطاعات العالمية هي أحد الجوانب السلبية الرئيسة للنظام المركزي في إدارة الخدمات في العالم الرقمي.
ولفت إلى ضرورة الانتباه إلى مفهوم "لا مركزية الإنترنت" وهو المفهوم الذي قامت عليه الشبكة العالمية في الأصل بحيث لا تتحكم جهة واحدة أيا كانت بخدمات يرتبط بها أعداد كبيرة من الناس، داعيا المستخدمين لاستخدام وتحميل والاعتماد على أكثر من تطبيق وخدمة تجنبا لانقطاعات أي خدمة.
ومن جانبه رصد الخبير الأردني في مضمار التقنية حسام خطاب مؤخرا أبرز الانقطاعات والأعطال التي طالت الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي حول العالم، وقال أنها بلغت 6 انقطاعات كبيرة خلال فترة السنوات الثلاث 2019، 2020، 2021.
وأوضح أن آخر هذه الانقطاعات حدث الشهر الماضي وجاءت نتيجة تعطل فيسبوك وإنستغرام وواتساب لحوالي ست ساعات، وكذلك تويتر الذي أصابه بعض الانقطاع بسبب الضغط المفاجئ على الخدمات.
واشار إلى أن شهر تموز (يوليو) الماضي كذلك شهد أعطال في حوالي 48 خدمة وموقعا إلكترونيا مثل Airbnb، Salesforce وغيرها لحوالي ساعة.
وقال إن شهر حزيران (يونيو) شهد تعطل عدة مواقع إلكترونية مثلAmazon، Reddit، GitHub، Shopify، Spotify، ومواقع إخبارية لأكثر من ساعة.
وأضاف أن رابع الانقطاعات حدثت في الشهر الأخير من العام الماضي 2020 عندما تعطلت خدمات جوجل من إيميل ويوتيوب وغيرها لتسعين دقيقة، كما شهد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي أيضا مشكلة تقنية في خدمات أمازون السحابية أثرت على آلاف الشركات والخدمات في أميركا لعدة ساعات.
ولفت إلى أن خدمات فيسبوك وإنستغرام وواتساب تعطلت لعدة ساعات، أو تباطأت خدماتها بشكل كبير لأكثر من 14 ساعة وذلك في شهر آذار ( مارس) من العام 2019.
وأوضح بأن كل تلك الانقطاعات أرجعها المحللون وقتها لأخطاء تقنية لديها أو لدى بعض من الشركات التي تعتمد عليها. وهذه الأسباب ظاهرية لا أكثر، لأنها تكشف عن نقاط ضعف قديمة أكبر في شبكة الإنترنت اليوم، مشيرا إلى أن بروتوكولات الاتصال هي نفسها منذ عقود، وتركزت الخدمات أكثر من ذي قبل لدى نقاط بعينها.
وببساطة قال خطاب: "شبكة الإنترنت اليوم تعاني من نقاط تركز؛ فإن تعطل أحدها تعطل معها العالم".
وأوضح خطاب أنه من نقاط التركز الحالية في شبكة الإنترنت: الشركات التكنولوجية الكبرى والخدمات التي تقدمها مثل فيسبوك بتطبيقاته الاجتماعية الثلاث، وجوجل بكل تطبيقاتها من محرك البحث وإيميل ويوتيوب والخرائط ومتجر جوجل، والخدمات السحابية مثل أمازون، وشركة Akamai، وغيرها من نقاط التركز.
وأشار إلى أن من نقاط التركز أيضا شركات المحتوى Content Delivery Network التي تستخدمها غالبية المواقع اليوم لتحسين تجربة المستخدم. فمثلا تعطل شركة Fastly في وقت سابق، شل جزءا لا بأس به من الإنترنت.
وقال بأن من البنية التحتية لشبكة الإنترنت مثل الكوابل البحرية وشركات الاتصالات ISP نفسها، هي من أهم نقاط التركز أيضا.
ولخص قائلا: "كل ما سبق هي نقاط تركز تعتمد عليها مختلف الشركات والخدمات والمواقع. لذا، كلما تعطل أحدها، ضرب العطل أجزاء كثيرة من العالم".
وعن آخر الانقطاعات التي طرأت على تطبيقات فيسبوك حول العالم بيّن خطاب ان بعض التحليلات المتسرعة وقت الانقطاع أرجع السبب إلى هجوم سيبراني محتمل، لافتا إلى أن المعضلة الحقيقية في هذا الحدث ليست ظواهر المشكلة، ولكن كيف أن شركة ما في لحظة ما من الزمن أصبح العالم المترامي يعتمد على سلامة شبكتها، فسواء كان هجوما سيبرانيا أو فعلا متعمدا أو خطأ تقنيا، كلها ظاهرية، وجذر المشكلة الأهم هو الاعتمادية المتنامية على شركات ونقاط تركز بعينها، وعند إصابتها بخلل ما، يصيح معها العالم من شرقه وغربه، شماله وجنوبه.
على صعيد المستخدم العادي، قال خطاب: "ربما ليس هناك الكثير ما يمكن فعله في تحسين واقع شبكة الإنترنت اليوم. تبقى الخطوات الأهم هي تنويع مصادر تواصله وخدماته، وكذلك أخذ نسخة احتياطية من البيانات المتوفرة على هذه المواقع. فلا أحد يدري متى تختفي خدمة ما من الوجود دون سابق إنذار آخذة معه بياناته، والشواهد على ذلك كثيرة، الانقطاعات وتيرتها متزايدة، ومن مأمنه يؤتى الحذر".