كيف سيبدو “عالم الأعمال” بعد جائحة COVID-19؟
هزّ فيروس COVID-19 العالم منذ نهاية العام 2019 الذي تحول سريعاً إلى وباء عالمي اجتاح البلاد خلال أشهر قليلة وتسبب بملايين الإصابات وأودى بحياة مئات الآلاف من البشر ورمى بالكثير في المستشفيات التي غصّت بالمرضى لمحاولة النجاة مما تسببه الوباء من مضاعفات وكوارث صحية. إذ طالت تداعيات هذا الوباء الناس والأنظمة الصحية حول العالم، امتدت تداعياته إلى قطاع الأعمال التي تأثرت إلى حد بعيد.
وقد اضطرت العديد من المؤسسات إلى الإقفال أو تعديل سياسات العمل واللجوء إلى حلول مبتكرة وقسرية للاستمرار تماشياً مع توصيات السلامة العامة وأسس التباعد الاجتماعي للتخفيف من انتشار الوباء. بما لا شك فيه، أن مرحلة ما بعد جائحة كورونا مختلفة تماماً عما عهدناه قبلها خاصة في عالم الأعمال التي شهدت تحولا في المفاهيم والأولويات. كيف سيبدو عالم الأعمال بعد جائحة كورونا وما التغييرات التي سيشهدها؟ تساؤلات كثيرة سنتطرق اليها فيما يلي.
تكنولوجيا العمل ما بعد كورونا
ربما أفضل ما آلت إليه طارئة كورونا هو تسارُع مختلف المؤسسات لتحقيق التحول الرقمي (Digital Transformation) الكامل أو حتى الجزئي والاستعانة بالقوى العاملة الافتراضية (Virtual Workforce) لمواصلة العمل وتقديم الخدمات للزبائن والمستخدمين عن بعد من خلال التكنولوجيا الرقمية دون الحاجة للتواجد في مكان واحد. فلقد اكتشفت الشركات قوة التكنولوجيا الرقمية الخارقة في مختلف المجالات وليس هناك من عودة إلى الوراء. طال هذا التحوّل الرقمي مختلف القطاعات التي استبسلت للارتقاء بحلول تخدم حاجتها للبقاء. تضمّن ذلك تقديم خدمة الاستشارات الطبية عن بعد حيث أمكن، تفعيل التعلّم عن بعد في المدارس والكليات وتقديم الحصص والاستشارات الرياضية من خلال النوادي الصحية الافتراضية من خلال شبكة الإنترنت دون الحاجة لاستقبال الزبائن في مكان جغرافي وغيرها الكثير. كل ذلك شجع الشركات السعي لتحقيق التحول الرقمي الخاص بها ما يبشّر بزيادة الطلب على العمال عن بعد ذوي المهارات العالية.
تحوّل أولويات العمل: الإنتاجية فوق ساعات العمل
قضاء ساعات طويلة في مكان العمل لن يبقى ميزة نتباهى بها ونُكافأ عليها في فترة ما بعد الكورونا، إذ هذا لم يعد مقياساً للالتزام والأداء. إنما المعايير الجديدة ستتركز على الإنتاجية (productivity) والقيمة الفعلية وما يتم إنجازه بدلاً من المهام الفردية والوقت المستغرق لإنجاز العمل. إذ سيلجأ القادة إلى تحديد توقعات واضحة ومرتبطة بالنتائج الحسية لكي يتمكن فريق العمل من تحقيق الأهداف بنجاح وفق الأولويات والأهداف المؤسساتية.
تعديل في سلّم الأوليات ومعادلة الحياة والعمل
أدركت معظم المؤسسات خلال مرحلة الكورونا أن التشدد في تحديد وقت العمل من "التاسعة صباحا حتى الخامسة أو السادسة عصراً"، على سبيل المثال، لم يعد يتناسب مع أساسيات القوى العاملة الحديثة. إذ أثبتت تجربة اعتماد مبدأ المرونة في العمل إنجاز نتائج أفضل وإنتاجية أكبر وأصبح بإمكان الموظفين إدارة برنامجهم للاهتمام بأمورهم الشخصية وتحقيق التوازن بين متطلبات العمل وأمورهم الخاصة، الأمر الذي ينعكس عليهم إيجاباً وبالتالي يساهم في تحسين الأداء وجودة العمل.

تعزيز أهمية التواصل المؤسساتي
فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد حالة من الإقفال التام وانتقال المؤسسات إلى العمل عن بعد أو من المنزل في بيئة افتراضية (virtual setting) لتخفيف الاكتظاظ وبالتالي تجنّب انتشار العدوى. فأصبح زملاء العمل يتواصلون بكفاءة أكبر وبشكل متكرر من خلال بيئة افتراضية على شبكة الانترنت والاستفادة من مختلف التقنيات المتاحة لإجراء الاجتماعات واللقاءات الافتراضية. لا بد من الاستفادة من هذه التجربة الفريدة لإعادة هندسة وتنظيم التواصل المؤسساتي (Organizational Communication) واستثمار ما أتيح من حلول افتراضية ورقمية في هذا المجال لتحسين إدارة الوقت (Time Management).

مراكز العمل بعد الجائحة
بعد نجاح تجربة العمل عن بعد وعدم التواجد في مراكز العمل باستمرار، لا بد أن تستغل القيادات الفرصة لتغيير أنظمة المؤسسات لناحية التواجد الشخصي واستخدام موارد المؤسسة. إذ لم يعد يتوجب تواجد جميع الموظفين في مراكز العمل باستمرار وفي آن واحد لتخفيف الاكتظاظ وتجنّب انتشار الأمراض، ولم يعد من حاجة لتخصيص مكاتب فردية وخاصة لكل موظف. يمكن للفريق مشاركة طاولة وموارد العمل في يوم تواجدهم في المؤسسة مما قد يساهم في تخفيف الحاجة إلى المساحات المكتبية الكبيرة وبالتالي توفير أعباء هذه النفقات.

مما لا شك فيه أن COVID-19 ساهم في إحداث تغيير في سلوكياتنا، ومكان العمل ليس باستثناء. لذلك يجدر بقيادي المؤسسات دراسة ما نجح من تجارب خلال فترة الجائحة لتطبيقه وتعزيزه كما والاستفادة منه في مرحلة ما بعد الجائحة وعودة الأمور إلى طبيعتها.