عيد الأمّ: كلّ يوم حياة
عيد الأمّ، على خلاف المناسبات العالميّة الأخرى، هو مناسبة احتفاليّة قديمة قِدَم الحضارات الإغريقيّة والرّومانية التي كانت تحتفي بالآلهة الأمّ قبل آلاف الأعوام.
ومع تعدّد الأدوار التي تلعبها الأمّ في حياة المجتمعات، قد يكون التّعليم على رأس هذه الأدوار الّتي تجعل من الأمّهات صانعات حقيقيّات للأجيال. ولكن ماذا لو جمعت الأمّهات بالفعل بين هاتين الرّسالتين؟ عندها ستكون هناك حاجة لتسليط الضوء على قصصهنّ لاستقاء الإلهام الّذي تقدّمه الأمّهات كل يوم وكذلك المعلّمات.

أصل عيد الأمّ: لا للحرب.. أهلاً بالحياة
ظهر الاحتفال بعيد الأمّ بشكله الحديث في الولايات المتحدّة عام 1872 على يد المؤلّفة الأمريكية جوليا وورد هوي الّتي دعت لاعتماد هذا العيد الوطني في إطار البحث عن وسيلة للتّرويح عن النّفس عقب أن وضعت الحرب الأهليّة الأمريكيّة أوزارها.
ما بدأ فكرة في ذهن هوي ترجمته آنا جارفيس عندما دعت عام 1907 إلى اعتماد هذا اليوم كمناسبة وطنيّة، الأمر الذي تحقّق عام 1914 عندما أعلن الرّئيس الأمريكي وودرو ويلسون عن تحويل عيد الأمّ إلى عطلة وطنيّة رسميّة في الولايات المتحدّة لينتشر بعدها الاحتفال بهذا اليوم في جميع أنحاء العالم.
عيد الأم كمناسبة احتفاليّة انطلق من رحم الظّروف غير الاعتيادية والتحدّيات وبما يتوافق بصورة كبيرة مع استثنائية الدّور الذي تلعبه الأمّهات خصوصاّ في الأوقات غير المسبوقة الّتي تتطلّب قدرات بحجم الأمّهات أفضل المعلّمات في مدرسة الحياة.

الأمومة والتعليم: رسالتان مقدّستان
ثمّة قصص نجاح تستحق أن يتمّ تسليط بقعة ضوء عليها لأنّها تحتفي بنساء جمعن بين رسالتين مقدّستين، التّعليم والأمومة ليقدّمن كلّ يوم أكثر من حياة.
بسمة الحسبان وناريمان العكور، مديرتا مدرستين ثانويّتين في الزرقاء، تقدّم كل منهما نموذجاَ للأمّهات اللّواتي يقمن بهاتين الرّسالتين المقدّستين كلّ يوم بالحماس نفسه والشغف ذاته.
المَدرَستان اللتان تديرهما كلّ من الحسبان والعكور تابعتان لبرنامج المدارس الصحية الّذي أطلقته الجمعية الملكية للتوعية الصحية، وتدعمه شركة أمنية من خلاله خمس مدارس حكوميّة في الزّرقاء وإربد. يهدف البرنامج إلى تطوير بيئة مدرسية آمنة، تنعكس على نموّ الطلبة البدني والاجتماعي والتعليمي وهي المهمّة التي تتحقّق كلّ يوم بفضل أمّهات ومعلّمات مثل بسمة الحسبان وناريمان العكور.
هؤلاء المعلّمات يلعبن دور الأمّ الروحيّة للطلّاب، والعفويّة الّتي يُجِبن فيها على الأطفال الّذين يبتعدون عن أمّهاتهم ب "نعم ماما"، ما هي إلّا استجابة فطريّة للدّور الذي اخترنه طواعية ويسهمن كلّ يوم في تعزيزه.
في ظلّ تأثير جائحة كوفيد-19 على الجميع، كان لهؤلاء الأمّهات والمعلّمات نصيب كبير من هذا التّغيير، فإلى أيّ مدى أعادت الجائحة تشكيل دورهنّ؟

بسمة أمل في الجائحة
كرّست بسمة الحسبان، مديرة إحدى المدارس الثانوية التّابعة لبرنامج المدارس الصحيّة في الزّرقاء، جهودها التطوعيّة المنضوية ضمن مشروع الرعاية الصحيّة المتكاملة المّنفذ بالتّعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية، لدعم مجتمعها المحلّي اجتماعيّاً ونفسيّاً خلال جائحة كورونا.
بسمة الّتي كانت ولا تزال بمثابة بسمة أمل في الجائحة، تعتبر نفسها أمّاً لجميع الطلّاب والشباب والمجتمع المحلّي. ولأنّها تمتلك طاقة الأمّهات التي لا تنضب، لم ترَ في التحوّل للتّعليم عن بعد تحدّياً بل فرصة حرصت على تحويلها إلى مقترحات تمحورت حول كيفيّة تحقيق الحدّ الأقصى من الاستفادة من أسلوب التّعليم الجديد وتعزيز انخراط الشباب في مجتمعاتهم المحلّية.
وحرصت بسمة على وضع هذه المقترحات بين يدي جلالة الملك عبدالله الثّاني خلال لقاء في فبراير الماضي ضمّ قيادات مجتمعيّة.
ولأنّها تدرك الأهميّة الكبيرة لإيصال أصوات صادقة وقريبة من أفراد المجتمع المحلّي تقدّم بسمة محاضرات توعويّة من خلال عضويّتها في 13 جمعيّة محليّة بالإضافة إلى تقديم المساعدة للفقراء والأيتام وغيرها من فئات المجتمع الّتي تحتاج إلى دعم مضاعف.

إيمان بقداسة المهمّتين
ناريمان العكور، مديرة إحدى المدارس الثانوية في منطقة الهاشميّة في الزّرقاء، تؤمن بأهميّة الرّسالتين "الّلتين اختّصها الله بهما" كما تقول.
فرض التّعليم عن بعد جهداً مضاعفاً على ناريمان لكنّها كانت دائماً تواجه هذه التحديّات بالإيمان، حيث آمنت بقدرة معلّماتها على تقديم أفضل ما لديهنّ وهو ما تحقّق من خلال تفكيرهنّ خارج الصّندوق وتقديمهنّ لنوعية تعليم مميزة للطّالبات.
كما آمنت العكور بقدرة طالباتها أو بناتها على التميّز، وهو ما تحقّق أيضاً من خلال النّتائج الباهرة في الثّانوية العامّة حيث أحرزن المراتب الأولى على مديريّة تربية الزّرقاء الثّانية.
إيمان العكور الدّائم بأبنائها الأربعة تعزّز خلال هذه الجائحة التي استطاعت أن تساعدهم فيها على الحفاظ على مستواهم الدّراسي والاستفادة بالصّورة القصوى من برامج التّعليم عن بعد.
تجربة ناريمان الفريدة خلال جائحة كورونا جعلتها تؤمن بقدرة الأمّهات الكبيرة على الإنجاز في جميع الظّروف لكنّها دعتهنّ، على اختلاف مواقعهنّ، إلى تنفيذ الأنشطة المتنوّعة مع أطفالهنّ وطلابهنّ وتوسيع آفاقهم لمنحهم أكثر من حياة.