صدر الإسلام وتطور القصيدة العربية
لا مراء في أنّ دخول الإسلام إلى الجزيرة العربية، غيّر غير قليل من الثوابت الدينية والعادات الاجتماعية، والاتجاهات الفكرية، ولم يكن الشعر بمعزل عن هذه التغييرات.
فالإسلام –من وجهة نظر الباحث- دين قدّم أسس وقواعد للحياة الدنيوية إلى جانب الفروض الدينية، أدّت إلى بناء مجتمع ودولة إسلامية تحكمها قواعده وقوانينه، وهذه القواعد شملت الكلام وما ينبغي أن يُتكّلم به، وما ينبغي أن نسكت عنه حتى في الشعر.
ونتيجة لهذه التغييرات الجذرية في نسق الحياة العربية؛ نجد أن الشعر لدى من اعتنقوا الإسلام بدأ يتخلى عن بعض قواعده وأصوله التي ترسّخ عليها في الجاهلية، فلم تعد قصائد العصر الإسلامي مطوّلةً متعددة اللوحات والمواضيع، بل أصبحت تتكون من بضع أبيات تتناول موضوعًا واحدًا، وهذا ما أكسبها وحدةً موضوعية.

الموضوعات المستحدثة في قصيدة صدر الإسلام
ولعل من أبرز الموضوعات المستحدثة في عصر صدر الإسلام في فترة تزامنها مع حياة النبي، ما كان في الدفاع عنه ومدحه، وردّ أذى المشركين وأشعارهم التي هجوه بها، والحث على الجهاد ومقاومة أذى الكفار، ومن ذلك، قول حسان بن ثابت:
هجوتَ محمدًا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإنّ أبي ووالده وعِرضي لعِرض محمد منكم وقاء 1
والملاحظ في الأبيات السابقة عزوف الشعر عن الألفاظ الوعرة المنمقة الصعبة، والاتجاه نحو السهل من اللفظ، والمباشرة في المعنى؛ وذلك لحاجة الموقف إلى عدم التعقيد والمباشرة وإيصال الفكرة، هذا بالإضافة إلى تضمين أشعارهم بألفاظ إسلامية مقتبسة من القرآن أو من واقع الحياة الجديدة.
الوعظ في القصيدة العربية
أما في عهد الخلفاء الراشدين فقد جرى على الشعر تغييرات في الأساليب والموضوعات؛ نتيجة اندلاع حروب الردة، وانطلاق الفتوحات الإسلامية، ووقوع الفتنة بين الصحابة، وانقسام المسلمين على أنفسهم.
وكان للأسلوب الوعظي نصيب من الشعر في هذه الفترة، فقد ظهر الشعر الذي يحض المسلمين على الالتزام بدينهم، وعدم تركه والردة عنه، ونرى ذلك في قول الشاعر الحارث بن مرّة في وعظه لبني عامر:
بني عامر إن تنصروا الله تُنصروا وإن تنصبوا لله والدين تخذلوا
وإن تهزموا لا يُنجكم منه مهرب وإن تثبتوا للقوم والله تقتلوا 2

الموضوعات القديمة في القصيدة الإسلامية
ومع ذلك، فإنّ الشعر في هذا العصر لم ينفك عن الموضوعات الشعرية القديمة، فقد ظهر لدينا استعمال لموضوع الرثاء والفخر والمدح، ومن ذلك ما قيل في رثاء أبي بكر الصديق عند حسّان بن ثابت:
إن تذكرت شجوًا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا 3
وقد تحدّث الشعر في عصر صدر الإسلام عن المعارك التي جرت بين الصحابة، وفخر كل فريق على الآخر ممن اقتسموا من المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان –رضي الله عنه- في موقعة الجمل أو صفين، مثل قول أحدهم:
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل ننعى ابن عفان بأطراف الأسل 4
ونخلص مما سبق أنّ القصيدة العربية في عصر صدر الإسلام، قد تطوّرت بالشكل والأسلوب نتيجة التغييرات التي أصابت بنية المجتمع العربي، ودخول الإسلام الذي شكل منظومة حياة جديدة، وقد أدخل على المعجم العربي ألفاظ جديدة، أفاد الشعراء منها في أشعارهم، وفي صورهم الفنية، بالإضافة إلى استمداد بعض آيات القرآن الكريم، وإعادة تشكيلها في الشعر.

إنّ هذه التغييرات لم تمنع القصيدة العربية في المحافظة على بعض تقاليدها، من حيث الشكل والالتزام به، كذلك المحافظة على الأوزان الشعرية، وعدم مخالفتها واستمرار قاعدة وحدة الوزن والقافية، بالإضافة إلى استمرار الشعراء في استخدام الموضوعات التقليدية، من مدح وغزل وفخر ورثاء، وأيضًا كان بعض الشعراء على الرغم من التخلي عن المطلع الطللي والغزلي يستعملون مثل هذه المطالع، مثل بردة كعب بن زهير: