رواية موت صغير وجماليات الغلاف والعنوان
مؤيد الشرعة - جامعة آل البيت
تعدّ العتبات الأولى لأي عمل روائي أو قصصي، السبيل الذي يدخل من خلاله القارئ عالم النص الأدبي. فمن خلال هذه العتبات، يتشوّق القارئ للتعرف على النص، واكتشاف أفكاره وجمالياته؛ فلذلك نجد صفحات الغلاف الجميلة على الكتب المختلفة، وكذلك العناوين المنمّقة، التي تلامس نفسية المتلقّي، وهذا الأمر نجده واضحًا وجليًا في رواية موت صغير.
العنوان (موت صغير)
يقوم العنوان على مفارقة غريبة في بناءه، وذلك بإسقاط وصف لا يتّفق مع موصوفه، لكن من يقرأ الرواية، يتبيّن فيما بعد أن هذا العنوان مجتزأ من عبارة للشيخ محيي الدين بن عربي، وأنه يشير في دلالته على ألم الحب والمعاناة التي يعيشها الصوفي في مجاهدته وترقيّه في سلم الولاية؛ فلذلك نجد أن بطل هذه الرواية عايش هذه الآلام أثناء رحلته في البحث عن أوتاده الأربعة، المثبتين لقلبه على محبة الله ومقام الولاية، والجدير بالذكر هنا أن هذه الرحلة مادية وروحية، فهي مادية فيما يخص انتقال الجسد، أما الروحية فهي تتجلى في تهذيب النفس وتعويدها على الشح.
الغلاف
تتجلّى أهمية الغلاف بكونه دال بصري يوازي النص، ويمنح العديد من الدلالات والإيحاءات لقراءات متعددة على آفاق رحبة، وترتكز على شدّة الحس البصري الذكي، وكذا قوة الملاحظة، فالغلاف ليس مجرد صورة أو خطاطات توضع على وجه الكتاب دون معنى، وإنما يؤدّي وظيفة مهمة وهي الإيحاء بمضمون الكتاب الذي يوجه المتلقي نحو التفكير في محتواه المعرفي، وهو يتكوّن من صورة وخطوط وكلمات، وألوان.
الصورة
الصورة عنصر مهم في أي صفحة غلاف، فهي التي تجذب القارئ، وتحفّزه على اقتناء الكتاب، وفي هذه الرواية نجد أنّ الصورة هي عبارة عن رجل صوفي دلّ على ذلك لباسه من عمامة وجبة (عباءة من صوف)، بالإضافة إلى هيئته من كون رأسه متوجّه نحو السماء وعينه مفتوحة، والأخرى مغلقة كأنه يعيش في حال تلقّي أو فناء، فيما يخص دلالة هاتين العينين فلعل المغلقة هي التي ترقب الذات وترصدها وتضمن عدم زيغها، أما الأخرى فهي التي تنظر إلى الله، وكأنها تطلب المعرفة منه وتناجيه، ولعل هذه الصورة تشير إلى محتوى هذه الرواية والفكر الذي تتضمنه.
دلالات الألوان
فيما يخص الألوان ودلالتها، فهنالك لونان سائدان في صفحة الغلاف، هما الأزرق والأبيض، فالأزرق عند الصوفية من الألوان الباردة وهي دالة على الفناء والموت، أما الأبيض فهو لون الصفاء والنقاء، فلعل سبب انتقاء هذين اللونين؛ لأن حال الفناء لا يتحقق لدى الصوفي ما لم تكن خلفيته بيضاء نقية.
الخطوط العربية ودلالاتها
أمّا مسألة الخطوط المستعملة في غلاف الرواية، فهي قضية لابد من الوقوف عليها، من ناحية الخط المستعمل ودلالات هذا الاستعمال، فالكاتب استعمل خطين الأول هو خط النسخ وهو سائد ومنتشر في البلاد العربية المشرقية، وقد كتب فيه اسم الكاتب.
أما الخط الثاني وهو الخط القرطبي الأندلسي، وهذا الخط قليل الاستعمال في وقتنا الحاضر، لكنّه كان منتشرًا في الأندلس، فقد كتب فيه المصاحف وغير قليل من الكتب، لكنه بعد انحسار وجود العرب، تطوّر عنه الخط المغربي، وهو خط منتشر في البلاد المغربية، أما فيما يخص وجود علاقة ودلالة في استعمال هذين الخطين، فلعلها إشارة إلى أن الكاتب مشرقي، أما متكلّم هذه العبارة وصاحبه –موت صغير- فهو أندلسي مغربي.
ولعل هذا الاستعمال للخطوط يشير إلى ثنائية المشرق والمغرب، والتي لا يعود لها قيمة في حضور الفكر الصوفي، فهذا الفكر ينتقل من شخص إلى آخر ولا يقف عند إقليم أو بلد معين، فمثلما هنالك عالم صوفي جاء من جهة المغرب –الأندلس- هنالك باحث ومؤرخ يرصد هذا الفكر في المشرق.
العناوين الداخلية
أمّا فيما يخص العناوين الداخلية، فقد قسّم الكاتب روايته في أثني عشر سفرًا، تفرّع عنها مئة باب، ولعل الرقم 12هذا فيه إشارة إلى عدد أسفار محيي الدين بن عربي، فقد أحصيتها، ووجدت أنه سافر وحلّ في أثني عشر مدينة هي: مرسية، إشبيلية، قرطبة، فاس، مراكش، القاهرة، مكة، دمشق، حلب، بغداد، الطائف، قونية. فلعل السارد يريد الإشارة إلى أنّ هذه الرواية ضمّت بين دفتيها رحلة ابن عربي في الأرض، ولم تغفل أو تسقط شيئًا من حياته، أمّا فيما يخص العدد مئة، فلعله يشير إلى الكمال في سرد هذه الحياة.
وقد استعرض السارد في بداية كل باب من أبواب روايته المائة عبارة مقتبسة عن محيي الدين بن عربي، وهذه العبارات القصيرة كانت إلى حد ما تشبه العناوين الفرعية لكنها كانت تفتقر إلى سمات العنوان، وتنحو نحو الحكمة والموعظة أو الإشارة الخفية لفكرة ما مبطنة في داخلها.
وبعد هذا التوضيح لدلالات صفحة الغلاف في رواية موت صغير، يتضح لنا أهميّة هذه الصفحة، واهتمام الكُتّاب بما يضعونه على أغلفة كتبهم؛ لأن هذه الأغلفة تحتوي رسائل مبطّنة عمّا يحتويه الكتاب، بالإضافة إلى أنها تساهم في اجتذاب القراء.