رحلة زمنية في تطوّر السرديات من الغرائب والعجائب إلى الروايات الواقعية
مؤيد الشرعة - جامعة آل البيت
ماهي المرويات السردية، وكيف بدأت؟
تعد المرويات السردية فنا أدبيًا قديماً تفرّعت عنه أفنان عدة تبعا لتقدم الزمن، وتطور الأساليب واختلاف الأذواق، والتأثير الحاصل مع ثقافات الشعوب الأخرى، وما قدّمته من أساليب للسرد نهضت بالسريّة العربية، وأخرجتها من سياق الحكايات البسيطة إلى سياقات جديدة.
نشأة المرويات السردية
ولعل المرويات السردية تجلّت بداياتها بقصص وأخبار قصيرة تروى بين العرب في مجالسهم، ورحلاتهم لهدف التسلية والامتاع، ولتخفيف عناء الرحلة، لكنها بدأت تتطور عندما قام محمد بن إسحاق بتأليف السيرة النبوية، وقد كان البارز فيها ما ورد من جانب أسطوري، ومختلف للعقل والمنطق، فكان يورد أخباراً وحكايات غرائبية، ويذكر أشعار لأقوام باءت كعاد وثمود، وإن دلّنا هذا على شيء فإنه يدلنا على وجود بقايا لآثار القصص والحكايات الغريبة التي كانت تقص بين العرب في مجالسهم للتمتع والأنس بها.
السيرة النبوية مفتاح التأليف لفن المرويات
لعل سيرة ابن هشام تعدّ أوّل عمل سردي مكتوب عند العرب، وقد كان محمد بن إسحاق في سرده للسيرة النبوية يورد قصصاً عجائبية وغرائبية؛ لكونه من القصاص الذين تأثروا بقصص أهل الكتاب، وما ورد عن العرب من أخبار عن الأمم الأخرى، التي كان يُحدّث بها الكهان، وجدير بالذكر أن ابن إسحاق من الكتّاب الذين لا يثق بهم، وقد طعن عدد غير قليل من العلماء أمثال ابن سلام الجمحي بصراحة وصدق ابن إسحاق، وقد فنّد أقواله بأدلة علمية وعقلية في مقدمة كتابه طبقات فحول الشعراء.
العصر العباسي وتطور المرويات
لكن الحال تطوّر عند ابن المقفع الذي كان فارسي الأصل يعرف لسان الفرس، فنقل لنا أسلوباً سردياً جديداً، يروى على ألسنة الحيوانات، وتدور أحداثها حول هدف واحد، هو تهذيب المستمع، وإكسابه معرفة وخبرة، لكن الجانب الأسطوري، والغرائب والعجائبي كانوا حاضرين في هذا الكتاب، فكأن هذه الأساليب أصبحت عنصراً من عناصر المرويات السردية عند العرب.
وقد ظهر هذا الأمر واضحاً في كتاب ألف ليلة وليلة، الذي كان كله بالمجمل يقوم على خطاب عجائب محض، فكله قصص تقوم على الأسطورة، وتتنوع شخصيات بين الأنس والجن والحيوان وغيرهم من كائنات اخترعت في السرد.
المغازي وقصص الأبطال
لقد استمر الحال في المرويات السردية على هذا النحو عند ظهور السير والمغازي التي ابتدعها القصاص وغيرهم، الذين أخذوا من التاريخ شخصيات عاشت، واسبلوا عليها صفات خارقة، ووضعهم في أحداث عجائبية، مثل الزير سالم، وعنترة العبسي، وأبي زيد الهلالي، وسيف بن ذي يزن، فكانت شخصيات حقيقية، تم توظيفهم في حكايات خيالية، للإمتاع والأنس.
وقد بدأت المرويات السردية تظهر بصورة جديدة حيث أصبحت تنحو نحو الزخرفة الشكلية والبيع، فظهرت قصص المقامات محتفظة بأسلوب السجع الذي كان نمطاً فيها مع الاحتفاظ بالغرائبية والامتاع.
تطوّر المرويات
أمّا في العصر الحديث فقد ظهرت بعض القصص التاريخية بأسلوب حديث كما هو الحال عند جورجي زيدان الذي أعاد صياغة فتح الأندلس بقصة أدبية تجمع بين العاطفة والحماس، فهي قصص تاريخية لكنها رومانسية.
ومن ثم بدأت الرواية الحديثة بالظهور، والتي اكتسبت صفات منها الواقعية، وعدم الجنوح للغرائبية والعجائبية، كما هو الحال في العصور السابقة.