من الأردنّ إلى العالم: تعزيز مصادر الطّاقة المتجدّدة
لم يكن "إعلان البحر الميّت" المنبثق عن المؤتمر الإقليميّ لحوار الطّاقة المستقبلي لمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، الذي عقد بدعوة من الأردن وألمانيا، الملمح الوحيد للحوار الإقليميّ الأوّل من نوعه في هذا المجال، بل شكّلت استضافة الأردنّ لهذا الحدث تأكيداً على مكانة البلد في هذا القطاع الحيويّ.
وتأتي الأهمّية المضاعفة لهذا المؤتمر، الذي أقيم يومي 8 و9 حزيران/يونيو 2022 الحاليّ، كونه يشكّل الخطوة الأولى نحو المبادرات الإقليميّة الهادفة لتعزيز مصادر الطّاقة المتجدّدة في الأردنّ والإقليم للتّعامل مع ارتفاع الأسعار وانخفاض الإمدادات.
وكان المؤتمر قد انطلق بتنظيم من وزارة الطّاقة والثّروة المعدنية وبالتّعاون مع الحكومة الفيدرالية الألمانية برعاية ملكيّة ساميّة، حيث افتتحه مندوباً عن جلالة الملك عبد الله الثّاني سموّ الأمير الحسين بن عبد الله وليّ العهد.
سيسلّط هذا المقال الضّوء على واقع الطّاقة المتجدّدة في الأردنّ وأبرز ملامح المؤتمر الّذي عقد في الأردنّ للمرّة الأولى.
الطّاقة المتجدّدة: أساس رؤية التّحديث الاقتصادي في الأردنّ
تشهد الطّاقة المتجدّدة سرعة في النّمو حيث تُسهِم بنسبة 26% من إنتاج الكهرباء المحلّية في الأردنّ، حيث يصاحب ذلك زيادة الطّلب على الكهرباء نتيجة الزّيادة السّكانية خلال العقد الماضي، رغم جائحة كورونا.
بناء على ذلك، شهد الأردنّ مؤخّراً الإعلان عن رؤية التّحديث الاقتصادي حيث تقع ضرورة التحوّل إلى الطّاقة المتجدّدة والبديلة في قلب هذه الرّؤية.
ولتحقيق هذا الهدف تضمّنت الخطّة تطوير محطّات الطّاقة والكهرباء للتّمهيد لزيادة الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تعزيز الرّبط مع دول الإقليم، جنباً إلى جنب مع إصدار لوائح وسياسات جديدة لقطاع الطّاقة الجديدة تتناسب مع المرحلة المقبلة، واستحداث حوافز لخفض التّكاليف وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع المستقبليّ.
ولا يمكن الوصول إلى أيّ تغيير منشود دون العمل على تعزيز الشّراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، والتّرويج للاستثمار وإطلاق عمليات التّنقيب ودراسة جدوى احتياطيات النّفط والغاز والغاز الصّخري، لتوفير بيئة ملائمة للاستثمار.
وفي ظلّ الثّورة التّكنولوجية الّتي تخترق جميع المجالات، فإنّ الأردنّ سيعمل على توظيف التّكنولوجيا واللّجوء إلى الحلول التّقنية لخفض الانبعاثات وإزالة الكربون، وتحقيق كفاءة الطاقة، ورفع مستوى التّنسيق بين القطاعات المختلفة وتحقيق التّوازن بين العرض والطّلب، وترشيد تكلفة الطّاقة لتقليل الخسائر، وتقديم حوافز لحثّ القطاعات والأفراد على التحوّل إلى الطّاقة المتجدّدة.
وفي الوقت نفسه تضمنّت الرّؤية تسليط الضّوء على أهمّية العمل بصورة موازية لتطوير البنية التّحتية لشبكة الكهرباء الذّكية والعدّادات، وأنظمة تخزين الطّاقة المتجدّدة والتّقليدية، وتطوير التّعرفة حسب وقت الاستخدام، وبناء خطوط أنابيب النّقل والتوزيع وتطوير الكفاءات في هذا المجال، وإصدار التّشريعات اللّازمة لاستخدام الهيدروجين، وجذب الاستثمارات في هذا المجال.
ويلعب الموقع الاستراتيجي الملائم للأردنّ دوراً محوريّاً في توفير فرص لتعزيز مصادر الطّاقة المتجدّدة مع تعزيز التّعاون الإقليمي والدّولي في هذا المجال؛ من هنا ثمّة ضرورة لأن تكون لدى المملكة سوق كهرباء مركزية، مع مشغّل واحد لنظام النّقل.
الأردنّ ملتقى لحوار إقليميّ حول الطّاقة
بحضور 80 متخصّصاً من 40 دولة حول العالم شهد البحر الميّت عقد المؤتمر الإقليميّ لحوار الطّاقة المستقبلي لمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا على مدار يومين.
وانبثق عن المؤتمر "إعلان البحر الميت"، الّذي يهدف إلى وضع حجر الأساس لمزيد من المبادرات لتطوير مصادر الطّاقة المتجدّدة والبنية التّحتية لإنتاج وتجارة الهيدروجين الأخضر.
ويأتي هذا المؤتمر، الأوّل من نوعه في الأردنّ والمنطقة، في إطار الحوارات الهادفة لتعزيز الجهود الهادفة إلى تشجيع اللّجوء إلى مصادر الطّاقة المتجدّدة والمستدامة من خلال تطوير التّكنولوجيا في مجال الطّاقة والتوسّع في مشاريع الطاقة المتجددة، لتطوير مصادر جديدة مثل الهيدروجين، الذي يعد طاقة المستقبل.
ويأتي المؤتمر في ظلّ مساعي الأردنّ ليكون مركزًا إقليميّاً لتبادل الطّاقة بجميع أشكالها، ويعمل حاليًّا على تطوير البنية التحتية للقطاع، خاصّة تطوير الشبكة الكهربائية، لتنفيذ مشاريع ربط كهربائية إقليمية.
وخلال المؤتمر تمّ تسليط الضّوء على مشاريع الربّط الكهربائي الحالّية بالدّول المجاورة بوصفها نواة لإطلاق مشروع ربط كهربائي بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا لتحقيق التّكامل الكهربائي بين جميع الدول من خلال إنشاء شبكات إقليمية.
ونتج عن المؤتمر الدّعوة لتعزيز الجهود في مجال تصدير الطّاقة الخضراء خصوصاً في ظلّ موقع الأردنّ ضمن دول الحزام الشّمسي.
وتمّ اختيار منطقة البحر الأبيض المتوسط والشّرق الأوسط لعقد المؤتمر فيها بالنّظر إلى توفّر إمكانات كبيرة، خصوصًا في الطّاقة الشّمسية، باعتبارها شرطًا مسبقًا أساسيًّا لإنتاج الهيدروجين الأخضر الرّخيص في ظلّ احتياج العديد من البلدان لمصادر دخل جديدة ومستدامة، للتّقليل من إنتاج النّفط والغاز، إضافة إلى وجود نسب مرتفعة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يجعل تأثير تغيّر المناخ أكبر والحاجة للّجوء إلى مصادر الطّاقة المتجدّدة أكثر أهمّية من أيّ وقت مضى.
في ظلّ التحدّيات العالميّة المتعلّقة بالطّاقة تشكّل هذه الحوارات نافذة أمل للبشريّة من خلال اللّجوء إلى مصادر الطّاقة المتجدّدة وبالتّالي الانتقال بأمان وجهوزيّة إلى المستقبل.