الشخصية الأنثوية في الرواية الصوفية
مؤيد أحمد الشرعة/ جامعة آل البيت- تعد الشخصية من أهم عناصر السرد الروائي، إذ إنّها تمثّل العنصر الرئيس في الخطاب الفني، فهي التي تحرّك الأحداث، وتدفع عجلة السّرد إلى الذروة ونقطة التأزم، وهي التي تسير في الفضاء المكاني والزماني في الرواية، وقد تتولى وظيفة السرد والروي، التي قد تتسلمها من القاص[1].
الرواية الصوفية وفلسفة بناء الشخصيات
وفي الرواية الصوفية الحديثة، نجد أنّ الشخصية الصوفية كان لها حضورها المميز في الخطاب الروائي العربي. فقد تميّزت باستلالها واستحضارها لشخصيات تراثيّة مهمة، كانت حيّة، وتركت بصمةً واضحة
في التاريخ العربي الإسلامي، وذلك من باب إحياء التراث العربي، والإفادة منه في بناء نسق روائي ذي صبغة عربية[2].
ولا ننسى أنّ هذا الاستحضار لم يكن مكبّلاً ومقيّدًا بسلطة التاريخ، فقد كان لزامًا على الكاتب الروائي أن يتصرّف بالنص التاريخ؛ ليُبعد نصّه الأدبيّ عن شبح الوقوع في الخلط مع النص التاريخي، ولكي يجعل أحداث روايته تدخل في نطاق الفن، فالنص الروائي هو نص متخيّل، وليس عبارة عن إعادة تسريد للتاريخ، فهو ليس هدفه معرفيّ بقدر ما هو جماليّ[3].
الشخصية الأنثوية في الرواية الصوفية
لا بد من الإشارة إلى أنّ التصوف لم يكن مقصورًا على جنس الرجال دون النساء، فالتصوّف لا ينبني على أساس التفريق بين الجنسين، بل إنّه يشجّع المرأة على ولوج عالم الصوفية، كيف لا وهي من منظورهم أنّها ذات القدسيّة، فالمرأة من أسباب الوجود التي هيّأتها الذات الإلهيّة لاستمرار الحياة[4].
وقد استحضر الروائي المغربي (عبد الإله بن عرفة) صاحب المشروع الروائي العرفانيّ شخصيةً صوفية تراثية في روايته (خناثة الرحمة)، جاعلاً إيّاها الشخصيّة المركزيّة فيها، وقد تمثّلت بشخصية خُناثة زوج السلطان مولاي إسماعيل، سلطان دولة المغرب، وقد دارت أحداث هذه الرواية حولها متتبعةً مراحل ترقيّها في سلّم الولاية الصوفية، وهذا الأمر عمّق أثر الرأي القائل بخصوصيّة المرأة عند المتصوفة[5].
شخصية الأنثى بين الرواية الصوفية وغيرها
ولعل الحضور الأنثوي في الرواية الصوفية لم يكن من باب الصدفة أو التغيير فحسب، بل إنه جاء لهدف مخصوص، وهو ردّ مكانة المرأة السامية لدى القارئ والمثقّف العربي. فقد أمعنت بعض الروايات العربية في تشويه حقيقة المرأة وجعلها كائنًا مقصورًا على العلاقات الغرامية فالمرأة ليست للحب فقط، بل هي مؤسسة اجتماعية في منظورهم، تلج جميع مداخل الحياة يحقّ لها أن تكون في المقدمة وحتى أن تصل إلى مراتب عُليا، فهي توازي الرجل وتفضُل عليه في بعض الأحيان[6].
إنّ الرواية الصوفية ردّت صورة المرأة إلى جانبها الإنسانيّ الروحانيّ، وحطّمت فلسفة حب الجسد، وموضوعات الحب والغرام التي أغرقت المرأة بها، لا سيما في الخطاب الأدبي، وقد بلغ بالرواية الصوفية أن ارتقت بها إلى مقام الولاية، وهي من أعلى المراتب في الفكر الصوفي. فالمرأة تبدع ايضًا في الجانب الروحاني، فلا حجاب بينها وبين الارتقاء.
ونخلص إلى أن الرواية العربية كثّفت حضور الأنثى فيها، إلا أنّ هذا الحضور لم يكن في غير قليل من الروايات حضورًا ساميًا. لذلك جاءت الرواية الصوفية، لتثبت أن للمرأة دور ومكانة في كافة الجوانب المادية والروحية، وأنّها تستطيع الترقي بروحها عن الدنيويات والتعفف عنها، بالإضافة إلى ترسيخ الصورة العفيفة للمرأة في ذهن المثقف والقارئ العربي.
المصادر:
[1] ينظر: ينظر: مرتاض، عبد الملك: في نظرية الرواية بحث في تقنيا السرد، عالم المعرفة، الكويت، 1998، د.ط، ص103.
[2] ينظر: زايد، علي عشري: استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ط، 1997، ص16.
[3] ينظر: المرجع نفسه، ص16.
[4] ينظر: بشير، الصادق عوض: سر قوّة المرأة عند ابن عربيّ، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 2014، ص33-34.
[5] ينظر: بن عرفة، عبد الإله: خناثة ألر الرحمة، دار الآداب، بيروت، ط1، 2018، ص29.
[6] ينظر: القرشي، سليمان: الحضور الأنثوي في التجربة الصوفية: بين الجمالي والقدسي ، مقال منشور على الموقع: www.anfasse.org